مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

الصفة الثالثة : قوله تعالى : { والذين هم عن اللغو معرضون } وفي اللغو أقوال . أحدها : أنه يدخل فيه كل ما كان حراما أو مكروها أو كان مباحا ، ولكن لا يكون بالمرء إليه ضرورة وحاجة . وثانيها : أنه عبارة عن كل ما كان حراما فقط ، وهذا التفسير أخص من الأول . وثالثها : أنه عبارة عن المعصية في القول والكلام خاصة ، وهذا أخص من الثاني . ورابعها : أنه المباح الذي لا حاجة إليه ، واحتج هذا القائل بقوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } فكيف يحمل ذلك على المعاصي التي لابد فيها من المؤاخذة ، واحتج الأولون بأن اللغو إنما سمي لغوا بما أنه يلغي وكل ما يقتضي الدين إلغاءه كان أولى باسم اللغو ، فوجب أن يكون كل حرام لغوا ، ثم اللغو قد يكون كفرا لقوله : { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } وقد يكون كذبا لقوله : { لا تسمع فيها لاغية } وقوله : { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } ثم إنه سبحانه وتعالى مدحهم بأنهم يعرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه ، هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه ، وعلى هذا الوجه قال تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس الذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو أعلم .