تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ْ } أي : بسبب إصرارك على الكفر ، وتماديك في الطغيان { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ْ } أي : في الدنيا والآخرة ، فتنزل بمنازله الذميمة ، وترتع في مراتعه الوخيمة ، . فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه ، بالأسهل فالأسهل ، فأخبره بعلمه ، وأن ذلك موجب لاتباعك إياي ، وأنك إن أطعتني ، اهتديت إلى صراط مستقيم ، ثم نهاه عن عبادة الشيطان ، وأخبره بما فيها من المضار ، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله ، وأنه يكون وليا للشيطان ، فلم ينجع هذا الدعاء بذلك الشقي ، وأجاب بجواب جاهل وقال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

ثم ختم هذا النداء بما يدل على حبه ، وشفقته عليه فقال : { يا أبت إني أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } .

أى : يا أبت إنى أشفق عليك من أن ينزل بك عذاب من الرحمن بسبب إصرارك على عبادة غيره ، وبذلك تصبح قريناً للشيطان فى العذاب بالنار ، لأنك انقدت له ، وخالفت طريق الحق .

بهذا الأسلوب الحكيم الهادىء الرقيق . . . خاطب إبراهيم أباه ، وهو يدعوه إلى عبادته - تعالى - وحده .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه : انظر كيف رتب إبراهيم الكلام مع أبيه فى أحسن اتساق ، وساقه أرشق مساق ، مع استعماله المجاملة واللطف والرفق واليين والأدب الجميل والخلق الحسن .

وذلك أنه طلب منه - أولاً - العلة فى خطئه . طلب منبه على تماديه ، موقظ لإفراطه وتناهيه . . . حيث بعد ما ليس به حس ولا شعور .

ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقاً به متلطفاً ، فلم يصف اباه بالجهل المفرط ، ولا نفسه بالعلم الفائق . ولكنه قال : إن معى طائفة من العلم وشيئاً منه ليس معك . . . ثم ثلث بتثبيطه ونهيه عما كان عليه ، بتصويره بصورة يستنكرها كل عاقل . . . ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة ، وما يجره ما هم فيه من الوبال .

ولم يخل ذلك من حسن الأدب ، حيث لم يصرح بأن العقاب لا حق له ، وأن العذاب لاصق به ، وكلنه قال : { إني أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ . . . } .

وصدر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله : { ياأبت } توسلا واستعطافاً . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

( يا أبت إني إخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ) .

والشيطان هو الذي يغري بعبادة الأصنام من دون الله ، فالذي يعبدها كأنما يتعبد الشيطان والشيطان عاص للرحمن . وإبراهيم يحذر أباه أن يغضب الله عليه فيعاقبه فيجعله وليا للشيطان وتابعا . فهداية الله لعبده إلى الطاعة نعمة ؛ وقضاؤه عليه أن يكون من أولياء الشيطان نقمة . . نقمة تقوده إلى عذاب أشد وخسارة أفدح يوم يقوم الحساب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَبَتِ إِنّيَ أَخَافُ أَن يَمَسّكَ عَذَابٌ مّنَ الرّحْمََنِ فَتَكُونَ لِلشّيْطَانِ وَلِيّاً } .

يقول : يا أبت إني أعلم أنك إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله فَتَكُونَ لِلشيّطْانِ وَلِيّا يقول : تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك ، فتهلك ، والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم ، كما الخشية بمعنى العلم ، في قوله : فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانا وَكُفْرا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

وقوله { أخاف أن يمسك } قال الطبري وغيره { أخاف } بمعنى أعلم .

قال القاضي أبو محمد : والظاهر عندي أنه خوف{[7969]} على بابه ، وذلك أن إبراهيم عليه السلام لم يكن في وقت هذه المقاولة يائساً من إيمان أبيه ، فكان يرجو ذلك وكان يخاف أن لا يؤمن ويتمادى على كفره الى الموت فيمسه العذاب ، و «الولي » الخالص المصاحب القريب بنسب أو مودة .


[7969]:في بعض النسخ: "أنه حرف على بابه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا} (45)

لا جرم أنه لما قرر له أن عبادته الأصنام اتّباع لأمر الشيطان عصيّ الرحمان انتقل إلى توقع حرمانه من رحمة الله بأن يحلّ به عذاب من الله ، فحذره من عاقبة أن يصير من أولياء الشيطان الذين لا يختلف البشر في مذمتهم وسوء عاقبتهم ، ولكنهم يندمجون فيهم عن ضلال بمآل حالهم .

وللإشارة إلى أن أصل حلول العذاب بمن يحلّ به هو الحرمان من الرحمة في تلك الحالة ؛ عبر عن الجلالة بوصف الرحمان للإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنُه أن يرحم إنما يكون لفظاعة جرمه إلى حد أن يحرمه من رحمته مَن شأنه سعة الرحمة .

والولي : الصاحب والتابع ومن حالهما حال واحدة وأمرهما جميع ؛ فكني بالولاية عن المقارنة في المصير .

والتعبير بالخوف الدال على الظن دون القطع تأدب مع الله تعالى بأن لا يُثبت أمراً فيما هو من تصرف الله ، وإبْقاء للرجاء في نفس أبيه لينظر في التخلّص من ذلك العذاب بالإقلاع عن عبادة الأوثان .

ومعنى : { فتكون للشيطان وليا } فتكون في اتباع الشيطان في العذاب . وتقدّم الكلام على يا أبت قريباً .