{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } يحتمل أن المراد بالرجز الأصنام والأوثان ، التي عبدت مع الله ، فأمره بتركها ، والبراءة منها ومما نسب إليها من قول أو عمل . ويحتمل أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله ، فيكون أمرا له بترك الذنوب ، صغيرها وكبيرها{[1275]} ، ظاهرها وباطنها ، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه .
ثم أمره - سبحانه - بأمر رابع فقال : { والرجز فاهجر } والأصل فى كلمة الرجز أنها تطلق على العذاب ، قال - تعالى - : { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } والمراد به هنا : الأصنام والأوثان ، أو المعاصى والمآثم التى يؤدى اقترافها إلى العذاب . أى : ودوام - أيها الرسول الكريم - على ما أنت عليه من ترك عبادة الأصنام والأوثان ، ومن هجر المعاصى والآثام .
فالمقصود بهجر الرجز : المداومة على هجره وتركه ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتبس بشئ من ذلك .
وَالرّجْزَ فاهْجُرْ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة : «والرّجْز » بكسر الراء ، وقرأه بعض المكيين والمدنيين والرّجْزَ بضم الراء ، فمن ضمّ الراء وجهه إلى الأوثان ، وقال : معنى الكلام : والأوثان فاهجر عبادتها ، واترك خدمتها ، ومن كسر الراء وجّهه إلى العذاب ، وقال : معناه : والعذاب فاهجر ، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، والضمّ والكسر في ذلك لغتان بمعنى واحد ، ولم نجد أحدا من من متقدّمي أهل التأويل فرّق بين تأويل ذلك ، وإنما فرّق بين ذلك فيما بلغنا الكسائيّ .
واختلف أهل التأويل في معنى الرّجْزَ في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو الأصنام . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَالرّجْزَ فاهْجُرْ يقول : السخط وهو الأصنام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالرّجْزَ فاهْجُرْ قال : الأوثان .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل قال أبو جعفر : أحسبه أنا عن جابرٍ عن مجاهد وعكرِمة وَالرّجْزَ فاهْجُرْ قال : الأوثان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالرّجْزَ فاهْجُرْ : إساف ونائلة ، وهما صنمان كانا عند البيت يمسح وجوههما من أتى عليهما ، فأمر الله نبيّهُ صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما ويعتزلهما .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ وَالرّجْزَ فاهْجُرْ قال : هي الأوثان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالرّجْزَ فاهْجُرْ قال : الرجز : آلهتهم التي كانوا يعبدون أمره أن يهجرها ، فلا يأتيها ، ولا يقربها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والمعصية والإثم فاهجر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم وَالرّجْزَ فاهْجُرْ قال الإثم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَالرّجْزَ فاهْجُرْ يقول : اهجر المعصية .
وقد بيّنا معنى الرجز فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
{ الرجز } : يقال بكسر الراء وضمها وهما لغتان فيه والمعنى واحد عند جمهور أهل اللغة . وقال أبو العالية والربيع والكسائي : الرّجز بالكسر العذاب والنجاسة والمعصية ، وبالضم الوثن . ويحمل الرجز هنا على ما يشمل الأوثان وغيرها من أكل الميتة والدم .
وتقديم { الرجز } على فعل ( اهجر ) للاهتمام في مهيع الأمر بتركه .
والقول في { والرجز فاهجر } كالقول في { وربّك فكبّر .
والهجر : ترك المخالطة وعدم الاقتراب من الشيء . والهجر هنا كناية عن ترك التلبس بالأحوال الخاصة بأنواع الرجز لكل نوع بما يناسبه في عرف الناس .
والأمر بهجر الرجز يستلزم أن لا يعبد الأصنام وأن ينفي عنها الإلهية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَالرّجْزَ فاهْجُرْ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛
فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة: «والرِّجْز» بكسر الراء، وقرأه بعض المكيين والمدنيين « والرُّجْزَ» بضم الراء، فمن ضمّ الراء وجهه إلى الأوثان، وقال: معنى الكلام: والأوثان فاهجر عبادتها، واترك خدمتها. ومن كسر الراء وجّهه إلى العذاب، وقال: معناه: والعذاب فاهجر، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
واختلف أهل التأويل في معنى الرّجْزَ في هذا الموضع؛
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والمعصية والإثم فاهجر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالرجز اسم للمأثم، واسم لما يعذب عليه، فيكون منصرفا إلى ما تتأذى به النفس، وتتألم به.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويوجهه إلى هجران الشرك وموجبات العذاب: (والرجز فاهجر).. والرسول [صلى الله عليه وسلم] كان هاجرا للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة. فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف، وهذا الركام من المعتقدات الشائهة، وذلك الرجس من الأخلاق والعادات، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية. ولكن هذا التوجيه يعني المفاصلة وإعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هوادة. فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان. كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز -والرجز في الأصل هو العذاب، ثم أصبح يطلق على موجبات العذاب- تحرز التطهر من مس هذا الدنس.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والهجر: ترك المخالطة وعدم الاقتراب من الشيء. والهجر هنا كناية عن ترك التلبس بالأحوال الخاصة بأنواع الرجز لكل نوع بما يناسبه في عرف الناس.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قيل: الرجز العذاب، والمراد بهجره هجر سببه، وهو الإثم والمعصية، وقيل: الرجز اسم لكل قبيح مستقذر من الأفعال والأخلاق، وقيل: الرجز: هو الصنم، فيكون كنايةً عن الشرك.
وفي جميع المعاني، تتضمن الفقرة توجيه النبي إلى هجران الأمور التي تتنافى مع المضمون الحيّ لرسالته، لأن التلوّث بالخبث الروحي أو الفكري أو العملي، يعني الانفصال عن خط الرسالة، والاستسلام للوضع المنحرف الذي يحوّله إلى إنسانٍ منحرفٍ خبيث، لا يستطيع أن ينطلق بخفّة الروح، وطهارة الضمير، وسلامة الخط، واتّزان الحركة في خطواته، ممّا يبتعد به عن الوصول إلى النتائج الكبيرة التي يتحرك في اتجاهها في الدعوة... وقد نستوحي من كلمة الهجر للرجز بجميع معانيه، أن الدعوة لا بد من أن تتحرك في خطين: خطٍّ إيجابيٍّ يلتزم الأخذ بكل طاهرٍ وحسنٍ، وخطٍّ سلبيٍّ يلتزم الإِعراض عن كل رجس وقبيح، انطلاقاً ممّا يمثّله السير على خط الإسلام، والابتعاد عن خط الجاهلية.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.