1- سورة القصص ، هي السورة الثامنة والعشرون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة النمل . فترتيب نزولها موافق لترتيبها في المصحف . وعدد آياتها ثمانون آية .
2- قال القرطبي : وهي مكية كلها في قول الحسن ، وعكرمة ، وعطاء . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية نزلت بين مكة والمدينة . وقال ابن سلام : بالجحفة في وقت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وهي قوله –تعالى- : [ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد . . . ]( {[1]} ) .
فعن يحيى بن سلام قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر ، نزل عليه جبريل بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة فقال له : أتشتاق يا محمد إلى بلدك التي ولدت فيها ؟ قال : نعم ، فقرأ عليه : [ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد . . . ]( {[2]} ) .
3- والمتدبر لهذه السورة الكريمة ، يرى أكثر من نصفها ، في الحديث عن قصة موسى –عليه السلام- .
فهي تبدأ بقوله –تعالى- : [ طسم . تلك آيات الكتاب المبين ، نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون . . . ] .
4- ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك ، عما ألهم الله –تعالى- به أم موسى بعد ولادتها له ، وعن حالتها النفسية بعد أن عرفت أن ابنها قد التقطه من اليم أعداؤها . وعما قالته لأخته ، وعن فضل الله –تعالى- عليها ورحمته بها ، حيث أعاد إليها ابنها موسى ، قال –تعالى- : [ فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ، ولتعلم أن وعد الله حق ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ] .
5- ثم بين –سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على موسى –عليه السلام- بعد أن بلغ أشده واستوى ، وبعد أن قتل رجلا من أعدائه ، وكيف أنه خرج من المدينة خائفا يترقب ، قال : [ رب نجني من القوم الظالمين ] .
وقد أجاب الله –تعالى- له دعاءه ، فنجاه منهم ، ويسر له الوصول إلى جهة مدين ، فعاش هناك عشر سنين ، أجيرا عند شيخ كبير من أهلها ، وتزوج موسى –عليه السلام- بعد انقضاء تلك المدة ، بإحدى ابنتي هذا الشيخ الكبير .
قال –تعالى- حاكيا بعض ما قاله هذا الشيخ لموسى : [ قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ، فإني أتممت عشرا فمن عندك ، وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين . قال ذلك بيني وبينك ، أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ، والله على ما نقول وكيل ] .
6- ثم بين –سبحانه- بعد ذلك ، أن موسى بعد أن قضى المدة التي تعاقد عليها مع الرجل الصالح ، وبعد أن تزوج ابنته ، سار بها متجها إلى مصر ، وفي الطريق رأى نارا ، فلما ذهب إليها ، أمره ربه –تعالى- بأن يذهب إلى فرعون وقومه ليأمرهم بإخلاص العبادة له –عز وجل- وذهب موسى –عليه السلام- إليهم ، وبلغهم رسالة ربه ، ولكنهم كذبوه ، فكانت عاقبتهم كما قال –تعالى- : [ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . . ] .
7- وبعد هذا الحديث المفصل عن قصة موسى –عليه السلام- أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه ، فذكرت له ما يدل على أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- وأمرته أن يتحدى المشركين به ، وبينت له أنه –عليه الصلاة والسلام- لا يستطيع أن يهدي من يحبه ولكن الله هو الذي يهدي من يشاء هدايته ، وحكت جانبا من أقوال المشركين وردت عليها ، كما حكت جانبا من المصير السيئ الذي سيكونون عليه يوم القيامة ، فقال –تعالى- : [ ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ، فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون . . ] .
[ ويوم يناديهم فيقول : أين شركائي الذين كنتم تزعمون . ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم ، فعلموا أن الحق لله ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ] .
8- ثم عادت السورة بعد ذلك للحديث عن قصة تتعلق برجل كان من قوم موسى : وهو قارون ، فأخبرتنا بجانب من النعم التي أنعم الله –تعالى- بها عليه ، وكيف أنه قابل هذه النعم بالجحود والكنود ، دون أن يستمع إلى نصح الناصحين ، أو وعظ الواعظين ، وكيف أن الذين يريدون الحياة الدنيا تمنوا أن يكونوا مثله ، وكيف أن الذين أوتوا العلم قالوا لهم على سبيل الزجر : [ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ، ولا يلقاها إلا الصابرون ] وكيف أن الذين يريدون الحياة الدنيا قالوا بعد رأوا مصرع قارون : [ لولا أن من الله علينا لخسف بنا . . . ] .
ثم ختم –سبحانه- هذه القصة ، ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال –تعالى- : [ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين ] .
9- وبعد أن انتهت السورة الكريمة ، عن الحديث المتنوع من قصص السابقين ، ومن التعقيبات الحكيمة عليها . .
بعد كل ذلك ، جاء الأمر من الله –تعالى- بإخلاص العبادة له ، والنهي عن الإشراك به فقال –سبحانه- [ ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو ، كل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ] .
10- وبعد ، فهذا عرض مجمل لما اشتملت عليه سورة القصص من مقاصد وأهداف ، ومن هذا العرض ، ترى أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور من أهمها ما يأتي :
( أ ) تثبيت المؤمنين ، وتقوية عزائمهم ، وتبشيرهم بأن العاقبة لهم ، وبأن الله –تعالى- سيجعل من ضعفهم قوة ، ومن قلتهم كثرة ، كما جعل من موسى وقومه أمة منتصرة بعد أن كانت مهزومة ، وغالبة بعد أن كانت مغلوبة .
ترى هذه التقوية والبشارة في مثل قوله –تعالى- : [ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ] .
( ب ) أن السورة الكريمة تعطينا صورة زاخرة بالمعاني الكريمة والمؤثرة ، عن حياة موسى –عليه السلام- فهي تحكي لنا حالة أمه . وأحاسيسها ، وخلجات قلبها ، وخوفها ، عند ولادته ، وبعد ولادته ، وبعد إلقائه في اليم ، وبعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له ، وبعد رد الله –تعالى- إليها ابنها ، فضلا منه –سبحانه- ورحمة .
كما تحكي لنا ما جبل عليه موسى –عليه السلام- من مروءة عالية جعلته يأبى أن يرى مظلوما فلا ينصره ، ومحتاجا فلا يعينه .
فعندما رأى امرأتين عاجزتين عن سقي غنمهما ، قال لهما : [ ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ، وأبونا شيخ كبير ، فسقى لهما . . ] .
وعندما رأى مظلوما يستنصره ، ما كان منه إلا أن نصره ، وقال : [ رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ] .
( ج ) تأكيد أن هذا القرآن من عند الله ، بدليل أن هذا القرآن قد قص على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الناس ، قصصا لا علم لهم بحقيقتها قبل أن يقصها عليهم .
قال –تعالى- : [ وما كنت بجانب الغربي ، إذ قضينا إلى موسى الأمر ، وما كنت من الشاهدين ] .
[ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ، ولكن رحمة من ربك ، لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ] .
( د ) اهتمت السورة اهتماما واضحا ، ببيان مظاهر قدرة الله –تعالى- في هذا الكون ، هذه القدرة التي نراها في إهلاك الظالمين والمغرورين ، حتى ولو ساندتهم جميع قوى الأرض .
كما نراها في الرد على كفار مكة الذين زعموا ، أن اتباعهم للحق يؤدي إلى تخطفهم والاعتداء عليهم [ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ، أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ، وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ، فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ، وكنا نحن الوارثين ، وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا ، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ] .
والخلاصة ، أن سورة القصص على رأس السور المكية ، التي حضت المؤمنين على الثبات والصبر ، وساقت لهم من أخبار السابقين ، ما يزيدهم إيمانا على إيمانهم . وبقينا على بقيتهم ، بأن الله –تعالى- سيجعل العاقبة لهم . .
سورة القصص من السور التى افتتحت ببعض الحروف الهجائية .
وقد رجحنا أن هذه الحروف ، قد افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم ، للإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن الكريم .
فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من حروف هى من جنس الحروف الهجائية ، ومنظوما من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم .
فإن كنتم فى شك فى كون هذا القلرآن من عند الله ، فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله أو سورة واحدة من مثله وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك .
فلما عجزوا - وهم أهل الفصاحة والبيان - ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { طسَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نّبَإِ مُوسَىَ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
قال أبو جعفر : قد بيّنا قبل فيما مضى تأويل قول الله عزّ وجل طسم ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويله ، وأما قوله : تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ فإنه يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد ، المبين أنه من عند الله ، وأنك لم تتقوّله ولم تتخرّصه . وكان قتادة فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما :
حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله طسم . تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ يعني مبين والله بركته ورشده وهداه .
هذه السورة مكية إلا قوله عز وجل ' إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد '{[1]} نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قاله ابن سلام وغيره وقال مقاتل فيها من المدني ' الذين آتيناهم الكتاب{[2]} ' إلى قوله ' لا نبتغي الجاهلين '{[3]} .
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة ، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا .
سميت سورة القصص ولا يعرف لها اسم آخر . ووجه التسمية بذلك وقوع لفظ { القصص } فيها عند قوله تعالى { فلما جاءه وقص عليه القصص } .
فالقصص الذي أضيفت إليه السورة هو قصص موسى الذي قصه على شعيب عليهما السلام فيما لقيه في مصر قبل خروجه منها . فلما حكي في السورة ما قصه موسى كانت هاته السورة ذات قصص لحكاية قصص ، فكان القصص متوغلا فيها . وجاء لفظ القصص في سورة يوسف ولكن سورة يوسف نزلت بعد هذه السورة .
وهي مكية في قول جمهور التابعين . وفيها آية { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } . قيل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الجحفة في طريقه إلى المدينة للهجرة تسلية له على مفارقة بلده . وهذا لا يناكد أنها مكية لأن المراد بالمكي ما نزل قبل حلول النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة كما أن المراد بالمدني ما نزل بعد ذلك ولو كان نزوله بمكة .
وعن مقاتل وأبن عباس أن قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إلى قوله { سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } نزل بالمدينة .
وهي السورة التاسعة والأربعون في عداد نزول سور القرآن ، نزلي بعد سورة النمل وقبل سورة الإسراء ، فكانت هذه الطواسين الثلاث متتابعة في النزول كما هو ترتيبها في المصحف ، وهي متماثلة في افتتاح ثلاثتها بذكر موسى عليه السلام . ولعل ذلك الذي حمل كتاب المصحف على جعلها متلاحقة .
وهي ثمان وثمانون آية باتفاق العادين .
اشتملت هذه السورة على التنويه بشأن القرآن والتعريض بأن بلغاء المشركين عاجزون عن الإتيان بسورة مثله . وعلى تفصيل ما اجمل في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى { ألم نربك فينا وليدا } إلى قوله { وأنت من الكافرين } ففصلت سورة القصص كيف كانت تربية موسى في آل فرعون .
وبين فيها سبب زوال ملك فرعون .
وفيها تفصيل ما أجمل في سورة النمل من قوله { إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا } ففصلت سورة القصص كيف سار موسى وأهله وأين آنس النار ووصف المكان الذي نودي فيه بالوحي إلى أن ذكرت دعوة موسى فرعون فكانت هذه السورة أوعب لأحوال نشأة موسى إلى وقت إبلاغه الدعوة ثم أجملت ما بعد ذلك لأن تفصيله في سورة الأعراف وفي سورة الشعراء . والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر .
وإذ قد كان سوق تلك القصة إنما هو للعبرة والموعظة ليعلم المشركون سنة الله في بعثة الرسل ومعاملته الأمم المكذبة لرسلها .
وتحدى المشركين بعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ولا خالط أهل الكتاب ، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك وأنذرهم إنذارا بليغا .
وفند قولهم { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } من الخوارق كقلب العصا حية ثم انتقاضهم في قولهم إذ كذبوا موسى أيضا .
وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة .
وأبطل معاذيرهم ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله .
وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى وفيها كلها نعم عليهم وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء .
وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم بأن ذلك متاع الدنيا وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى .
وأعقبه بضرب المثل لهم بحال قارون في قوم موسى . وتخلص من ذلك إلى التذكير بأن أمثال أولئك لا يحظون بنعيم الآخرة وأن العاقبة للمتقين .
وتخلل ذلك إيماء إلى اقتراب مهاجرة المسلمين إلى المدينة ، وإيماء إلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } الآية .
وختم الكلام بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته ووعده بأنه يجعل بلده في قبضته ويمكنه من نواصي الضالين .
ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيله من معرفة نافعة لهم تنظيرا لحالهم وحال أعدائهم . فالمقصود ابتداء هم المسلمون ولذلك قال تعالى في أولها { نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون }أي للمؤمنين .