تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

قال الله تعالى : { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا } أي : فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية ، ويفرحوا بلذاتها ، ويلهوا بلعبها ، فسيبكون كثيرا في عذاب أليم { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } من الكفر والنفاق ، وعدم الانقياد لأوامر ربهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

وقوله : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً . . . } وعيد لهم بسوء مصيرهم ، وإخبار عن عاجل أمرهم وآجله ، من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الآخرة .

والمعنى : إنهم وإن فروا وضحكوا طوال أعمارهم في الدنيا ، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة ، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية ، والمنقطع الفانى قليل بالنسبة إلى الدائم الباقى .

قال صاحب المنار : وفى معنى الآية قوله - صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " متفق عليه ، بل رواه الجماعة إلا أبا داود من حديث أنس ، ورواه الحاكم من حديث أبى هريرة بلفظ " لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا " .

ثم قال : وإنما كان الأمر في الآية بمعنى الخبر ، لأنه إنذار بالجزاء لا تكليف وقد قيل في فائدة هذا التعبير عن الخبر بالإِنشاء ، إنه يدل على أنه حتم لا يحتمل الصدق والكذب كما هو شأن الخبر لذاته في احتمالها ، لأن الأصل في الأمر أن يكون للإِيجاب وهو حتم . .

وقوله : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } تذييل قصد به بيان عدالته ، سبحانه ، في معاملة عباده .

أى : أننا ما ظلمناهم بتوعدنا لهم بالضحك القليل وبالبكاء الكثير ، وإنما هذا الوعيد جزاء لهم على ما اكتسبوه من فنون المعاصى ، وما اجترحوه من محاربة دائمة لدعوة الحق .

وقوله : { جَزَآءً } مفعول للفعل الثانى .

أى : ليبكوا جزاء ، ويجوز أن يكون مصدرا حذف ناصبه . أى : يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء .

وجمع - سبحانه - في قوله { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بين صيغتى الماضى والمستقبل ، للدلالة على الاستمرار التجددى ما داموا في الدنيا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ، فليضحكوا فرحين قليلاً في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولهوهم عن طاعة ربهم ، فإنهم سيبكون طويلاً في جهنم مكان ضحكهم القليل في الدنيا جَزَاءً يقول : ثوابا منالهم على معصيتهم بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوّهم وقعودهم في منازلهم خلاف رسول الله . بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ يقول : بِما كانوا يجترحون من الذنوب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : يقول الله تبارك وتعالى : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا صاروا إلى الاَخرة بكوا بكاءً لا ينقطع ، فذلك الكثير .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ويحيى ، قالا : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، في قوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصو ، عن أبي رزين ، أنه قال في هذه الآية : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : ليضحكوا في الدنيا قليلاً ، وليبكوا في النار كثيرا ، وقال في هذه الآية : وَإذا لا تُمَتّعُونَ إلاّ قَلِيلاً قال : أجلهم أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : ليضحكوا قليلاً في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا في الاَخرة في نار جهنم ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً : أي في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا : أي في النار . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرا » ذُكر لنا أنه نودي عند ذلك ، أو قيل له : لا تُقْنِط عبادي

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .

قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا فإذا صاروا إلى الاَخرة بكوا بكاءً لا ينقطع ، فذلك الكثير .

حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولَعبا يقول الله تبارك وتعالى : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا في النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلْيَضْحَكُوا في الدنيا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا يوم القيامة كَثِيرا . وقال : إنّ الّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ حتى بلغ : هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

{ فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب ، ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد قوله { فليضحكوا قليلاً } إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، وقوله { وليبكوا كثيراً } إِشارة إلى تأبيد الخلود في النار ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم ، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله ، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم ، لأمته

«لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً »{[5815]} .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي ، و { جزاء } متعلق بالمعنى الذي تقديره { وليبكوا كثيراً } إذ هم معذبون { جزاء } ، وقوله : { يكسبون } نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب .


[5815]:- أخرجه البخاري، والترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه. (الدر المنثور).