{ وَإِسْمَاعِيلَ } بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب ، وهو الشعب العربي ، ووالد سيد ولد آدم ، محمد صلى الله عليه وسلم . { وَيُونُسَ } بن متى { وَلُوطًا } بن هاران ، أخي إبراهيم . { وَكُلَا } من هؤلاء الأنبياء والمرسلين { فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } لأن درجات الفضائل أربع – وهي التي ذكرها الله بقوله : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } فهؤلاء من الدرجة العليا ، بل هم أفضل الرسل على الإطلاق ، فالرسل الذين قصهم الله في كتابه ، أفضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك .
وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } .
وقد ذكر الله فى هذه الآيات أربعة عشر نبيا وهم :
1 - داود بن يسى من بط يهوذا من بنى إسرائيل وكانت ولادته فى بيت لحم سنة 1085 ق . م تقريبا وهو الذى قتل جالوت كما جاء فى القرآن الكريم { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } وكانت وفاته سنة 1000 ق . م تقريبا .
2 - سليمان بن داود - عليهما السلام - ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق . م وتوفى سنة 975 ق . م . وقد جاء ذكر داود وسليمان فى كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله - تعالى -
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين } 3 - أيوب ، قال ابن جرير : هو ابن موصى بن روم بن عيص بن إسحاق ، وروى الطبرانى أن مدة عمره كانت ثلاثة وتسعين سنة .
4 - يوسف وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - وكانت ولادته قبل ميلاد عيسى - عليه السلام - بألفى سنة تقريبا .
5 - موسى وهو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب وكانت ولادته حوالى القرن الرابع عشر ق . م .
6 - هارون وهو أخو موسى لأمه وقيل لأبيه وأمه ، وقيل مات قبيل موسى بزمن يسير .
7 - زكريا وهو ابن أزن بن بركيا ويتصل نسبه بسليمان - عليه السلام - وكان قريب العهد بعيسى حيث تولى كفالة أمه مريم كما جاء فى القرآن الكريم { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } 8 - يحيى وهو ابن زكريا .
9 - عيسى وهو ابن مريم . قال ابن كثير . وفى ذكر عيسى فى ذرية إبراهيم أو نوح دلالة على دخول ولد البنات فى ذرية الرجل ، لأن انتساب عيسى ليس إلا من جهة أم مريم .
10 - الياس وهو ابن فنحاص بن العيزار بن هارون أخى موسى وهو المعروف فى كتب الإسرائيليين باسم " إيليا " وقد أرسله الله إلى بنى إسرائيل حين عبدوا الأوثان قال - تعالى - { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين } ويقال إنه كان موجوداً فى زمن الملك " آخاب " ملك بنى إسرائيل فى حوالى سنة 918 ق . م .
11 - إسماعيل وهو الابن الأكبر لإبراهيم - عليهما السلام - وجد محمد صلى الله عليه وسلم .
12 - اليسع وهو ابن شافاط وكانت وفاته حوالى سنة 840 ق . م ودفن بالسامرة .
13 - يونس وهو ابن متى أرسله الله إلى أهل نينوى من بلاد أشور فى حوالى القرن الثامن ق . م .
14 - لوط وهو ابن هاران بن تارح فهو ابن أخى إبراهيم وكانت رسالته إلى أهل سدوم من شرق الأردن .
وقوله { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } أى : وكل واحد من هؤلاء الأنبياء المذكورين لا بعضهم دون بعض فضلناه بالنبوة على العالمين من أهل عصره .
قال الجمل : اعلم أن الله - تعالى - ذكر هنا ثمانية عشر نبياً من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل لأن الواو لا تقتضى الترتيب ، ولكن هنا لطيفة فى هذا الترتيب وهى أن الله - تعالى - خص كل طائفة من الأنبياء بنوع من الكرامة والفضل . فذكر أولا نوحاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أصول الأنبياء وإليهم يرجع حسبهم جميعاً . ثم من المراتب المعتبرة بعد النبوة الملك والقدرة والسلطان وقد أعطى الله من ذلك داود وسليمان حظاً وافراً .
ومن المراتب الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد وقد خص الله بهذه أيوب . ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما وهو يوسف فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن آتاه الله ملك مصر مع النبوة ، ثم من المراتب المعتبرة فى تفضيل الأنبياء كثرة المعجزات وقوة البراهين وقد خص الله موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر ، ومن المراتب المعتبرة الزهد فى الدنيا وقد خص الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، ثم ذكر الله بعد هؤلاء الأنبياء من لم يبق له أتباع ولا شريعة وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط فإذا اعتبرنا هذه اللطيفة كان هذا الترتيب حسناً والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .
ومن المعروف أن الأنبياء الذين يجب الإيمان بهم على التفصيل خمسة وعشرون نبياً . وهم هؤلاء الثمانى عشرة الذين ذكروا فى هذه الآيات ، يضاف إليهم سبعة نظمهم الناظم فى قوله :
حتم على كل ذى التكليف معرفة . . . بأبنياء على التفصيل قد علموا
فى تلك حجتنا منهم ثمانية . . . من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس ، هود ، شعيب ، صالح وكذا . . . ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل ، وهو إسماعيل بن إبراهيم والليسع : هو اليسع بن أخطوب بن العجوز .
واختلف القرّاء في قراءة اسمه ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق : واليَسَعَ بلام واحدة مخففة . وقد زعم قوم أنه «يفعل » ، من قول القائل : وَسِعَ يَسَعُ ، ولا تكاد العرب تُدخِلُ الألف واللام على اسم يكون على هذه الصورة ، أعني : على «يَفْعل » ، لا يقولون : رأيت اليزيد ، ولا أتاني التجيب ، ولا مررت باليشكر ، إلا في ضرورة شعر ، وذلك أيضا إذا تُحُرّي به المدح ، كما قال بعضهم :
وَجَدْنا الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدَ مُبارَكا ***شَدِيدا بأعْباءِ الخِلاَفَةِ كاهِلُهْ
فأدخل في «اليزيد » الألف واللام ، وذلك لإدخاله إياهما في الوليد ، فأتبعه اليزيد بمثل لفظه .
وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين : واللّيْسَعَ بلامين وبالتشديد ، وقالوا : إذا قرىء كذلك كان أشبه بأسماء العجم . وأنكروا التخفيف وقالوا : لا نعرف في كلام العرب اسما على «يفعل » فيه ألف ولام .
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلام واحدة مخففة ، لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه دون التشديد ، مع أنه اسم أعجميّ فينطق به على ما هو به . وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام فيما جاء من أسماء العرب على «يفعل » ، وأما الاسم الذي يكون أعجميّا فإنما ينطق به على ما سموا به ، فإن غُير منه شيء إذا تكلمت العرب فإنما يغير بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان ، واللّيسع إذا شدّد لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد . وأخرى أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال : اسمه «ليسع » ، فيكون مشدّدا عند دخول الألف واللام اللتين تدخلان للتعريف ويُونُسَ هو يونس بن متى ولُوطا وكلاّ فَضّلْنا من ذرية نوح ونوحا ، لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له . وفضلنا جميعهم عَلى العَالَمِينَ يعني : على عالم أزمانهم .
{ وإسماعيل واليسع } هو الليسع بن أخطوب . وقرأ حمزة والكسائي " والليسع " وعلى القراءتين هو علم أعجمي أدخل عليه اللام كما أدخل على اليزيد في قوله :
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا *** شديدا بأعباء الخلافة كاهله
{ ويونس } هو يونس بن متى . { ولوطا } هو ابن هاران أخي إبراهيم . { وكل فضلنا على العالمين } بالنبوة ، وفيه دليل على فضلهم على من عداهم من الخلق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.