تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (66)

النبأ العظيم

{ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( 65 ) رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ( 66 ) قل هو نبأ عظيم ( 67 ) أنتم عنه معرضون ( 68 ) ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ( 69 ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( 70 ) }

المفردات :

القهار : الغالب .

65

التفسير :

65 ، 66- { قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار } .

قل يا أيها الرسول لأهل مكة إنما أنا منذر من الله تعالى ، أخوفكم عذابه ومخالفته ، وآمركم بطاعته واحترام وحيه وكتابه ، ولست ساحرا ولا كاهنا ولا كذابا كما تدعون ، إنما أنا رسول من عند الله ، أحمل لكم وحي السماء ، ولا أملك الهداية ، ولا أستطيع أن أجبركم عليها .

قال تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر } . [ الغاشية : 21 ، 22 ] .

وقال تعالى : { إن عليك إلا البلاغ . . . } [ الشورى : 48 ] .

أما الأصنام التي تعبدونها فليست بآلهة ، لأنها لم تَخْلُق ولا تَرْزُق ، ولا تسمع ولا تجيب ، ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا ، فضلا عن أن تنفع غيرها .

{ وما من إله إلا الله الواحد القهار } .

ليس هنا إله سوى الله تعالى ، الواحد الأحد الفرد الصمد ، { القهار } ، الذي قهر كل شيء وغلبه بعزته وجبروته ، فهو خالق الكون ، وهو رافع السماء ، وباسط الأرض ، وهو العزيز الغالب ، الغفار لمن تاب ورجع إليه .

{ رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار } .

فالله تعالى قد وصف نفسه في الآيتين بخمس صفات :

1- أنه الإله الواحد لا شريك له .

2- القهار الذي قهر كل شيء بقدرته .

3- رب السماوات والأرض وما بينهما ، حيث رفع السماء وبسط الأرض ، وسخّر الهواء والفضاء ، والرياح والسحاب والأمطار ، والنبات والليل والنهار .

قال تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } . [ طه : 6 ] .

4- العزيز الغالب الذي لا يغلب .

5- الغفار الذي يفتح بابه للتائبين ، ويغفر للمذنبين .

قال تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } . [ طه : 82 ] .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ} (66)

{ رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات منه سبحانه خلقها وإليه تدبير جميع أمورها { العزيز } الذي يغلب ولا يغلب في أمر من أموره جل شأنه فتندرج في ذلك المعاقبة { الغفار } المبالغ في المغفرة يغفر ما يشاء لمن يشاء تقرير للتوحيد ، أما الوصف الأول فظاهر في ذلك غير محتاج للبيان ، وأما القهار لكل شيء فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهاراً له ضرورة أنه لا يكون حينئذ إلهاً بل ربما يلزم أن يكون مقهوراً وذلك مناف للألوهية تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وأما { رَبّ السموات } الخ فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما ، وقيل : لأن معنى { رَبّ السموات } الخ رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلهاً ، وأما العزيز فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب ومع الشكرة لا يتم ذلك .

وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء فربما شاء مغفرة لأحد وشاء لآخر منه العقاب فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلهاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وما قيل في برهان التمانع سؤالاً وجواباً يقال هنا ، وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى ، وللاقتصار على وصف الإنذار صريحاً فيما تقدم قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا ، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار وجيء بالثاني تتميماً له وإيضاحاً لما فيه من الإجمال أي قل لهم ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه ، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات بمكان لا ينكر ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا بمنزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط وفيه قوله تعالى : { أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا } [ ص : 5 ] فافهم .