هماز : عيّاب طعّان ، أو مغتاب .
مشاء بنميم : الذي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم .
هو كثير الهمز واللمز ، بحّاث عن عيوب الناس ، مما يدلّ على عيب في ذاته ، وقد ذمّ الله هذا الخلق ، ونهى عن التماس عيوب الآخرين .
قال تعالى : ويل لكل همزة لمزة . ( الهمزة : 1 ) .
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب . . . ( الحجرات : 11 ) .
إنسان وصولي ، حاقد على تواصل الناس وترابطهم ، فهو يمشي بالنميمة ، ويقطع أواصر الأخوّة ، ويحول أصدقاء الأمس إلى متباغضين ، وفي الأثر : ( من نمّ لك نمّ عليك ، ومن أخبرك بخبر غيرك أخبر غيرك بخبرك ) .
وقد أخرج أبو داود ، والترمذي من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى أن ينقل إليه أحد ما يغيّر قلبه على صاحب من أصحابه ، وكان يقول : ( لا يبلّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )vi .
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : ( إنهما يعذّبان وما يعذبان في كبير : أمّا أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )vii .
وروى الإمام أحمد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة قتات )viii .
وأورد الحافظ ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة عند تفسير هذه الآية ، وكذلك صاحب ( في ظلال القرآن ) .
روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أخبركم بخياركم ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الذين إذا رؤوا الله عز وجل ) ، ثم قال : ( ألا أنبئكم بشراركم ؟ المشّاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب )ix .
{ هماز } عياب . أو مغتاب للناس ؛ من الهمز ، وهو اللمز الضرب طعنا باليد أو العصا ونحوها ؛ ثم استعير للذي ينال الناس بلسانه وبعينه وإشارته ، ويقع فيهم بالسوء . { مشاء بنميم } نقال للحديث للإفساد بين الناس . والنميم والنميمة : مصدران بمعنى السعاية والإفساد . يقال : نم الحديث – من بابي قتل وضرب – سعى به فتنة أو وحشة ؛ فالرجل نم ونمام . وأصلها الهمس والحركة الخفيفة ؛ ثم استعملت فيما ذكر مجازا .
مشّاء بنميم : كثير الوشاية والنميمة بين الناس .
فالآية عامة في كل من ينمُّ ويمشي بالسوءِ بين الناس ، ويثير الفتنَ والشرَّ بينهم .
وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه أن ينقلَ إليه أحدٌ منهم ما يُغيِّر قلبه على صاحبٍ من أصحابه . وكان يقول : « لا يبلّغني أحدٌ عن أحدٍ من أصحابي شيئا ، فإني أُحبّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر » ، رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يدخلُ الجنةَ فتّان » والفتان هو النمّام .
وهناك أحاديثُ كثيرة تحذّر من هذه الأخلاق الفاسدة ، فالإسلامُ جاء لينقِّيَ الأخلاقَ ، ويعلّم الناسَ الخير ، ورفيعَ الأخلاق ، والمعاملةَ الطيبة ، وحُسنَ المعاشرة ، وهو يشدِّد في النهي عن الخلُق الذميم الوضيع .
" هماز " قال ابن زيد : الهماز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم . واللماز باللسان . وقال الحسن : هو الذي يهمز ناحية في المجلس ، كقوله تعالى : " همزة " . [ الهمزة : 1 ] . وقيل : الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم . واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم ، قاله أبو العالية وعطاء بن أبي رباح والحسن أيضا . وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبة . واللمزة الذي يغتاب في الوجه . وقال مرة : هما سواء . وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . ونحوه عن ابن عباس وقتادة . قال الشاعر :
تُدْلِي بود إذا لاقيتني كذباً *** وإن أَغِبْ فأنت الهامز اللُّمَزَهْ
" مشاء بنميم " أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم . يقال : نم ينم نما ونميما ونميمة ، أي يمشي ويسعى بالفساد . وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يدخل الجنة نمام ) . وقال الشاعر :
ولما كان كل{[67454]} من اتصف بصفة ، أحب أن يشاركه الناس فيها{[67455]} أو يقاربوه ، لا سيما إن كانت تلك الصفة دنية ليسلم من العيب أو الانفراد به ، ولأن الشيء لما داناه ألف قال : { هماز } أي كثير العيب للناس في غيبتهم ، وقال الحسن : هو الذي يغمز بأخيه في المجلس ، أي لأن الهمز العض والعصر{[67456]} والدفع - من المهماز الذي يطعن به{[67457]} في بطون الدواب ، وهو مخصوص بالغيبة كما أن اللمز مخصوص بالمواجهة .
ولما كانت النميمة - وهي نقل الحديث على وجه السعاية - أشد الهمز{[67458]} أفاد أنه يفعله ولا يقتصر على مجرد النقل ، بل يسعى به إلى غيره وإن بعد{[67459]} فقال تعالى{[67460]} : { مشاء } أي كثير المشي { بنميم } أي ينقل ما قاله الإنسان في آخر{[67461]} وأذاعه سراً ، لا يريد صاحبه إظهاره ، على وجه الإفساد للبين ، مبالغ في ذلك بغاية جهده .