الخصال العشر التي تعالج طبع الإنسان
{ إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسّه الشّر جزوعا 20 وإذا مسّه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23 والذين في أموالهم حقّ معلوم 24 للسائل والمحروم 25 والذين يصدّقون بيوم الدين 26 والذين هم من عذاب ربهم مشفقون 27 إن عذاب ربهم غير مأمون 28 والذين هم لفروجهم حافظون 29 إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين 30 فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون 31 والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون 32 والذين هم بشهاداتهم قائمون 33 والذين هم على صلاتهم بهم يحافظون 34 أولئك في جنات مكرمون 35 }
هلوعا : كثير الجزع ، شديد الحرص .
19 ، 20 ، 21- إن الإنسان خلق هلوعا* إذا مسّه الشّر جزوعا* وإذا مسّه الخير منوعا .
تلك صفات جبلّيّة فطرية في الإنسان ، أي الكافر أو أيّ إنسان لم يأنس قلبه بنور الإيمان ، من شأنه أن يتصف بالهلع ، وهو شدة الحرص وقلة الصبر ، فلا يصبر على بلاء ، ولا يشكر عل نعماء .
أي : إذا أصابه الفقر أو المرض ، أو المصيبة في ماله أو زرعه ، أو أسرته أو منزله ، اشتدّ جزعه وحزنه وشكواه .
وإذا جاء إليه المال أو الجاه ، أو السلطان أو العافية ، منع خيره عن الفقير واليتيم ، والأرملة والمصاب ، وبخل على غيره .
روى الإمام أحمد ، وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( شر ما في رجل شحّ هالع ، وجبن خالع )vii .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له )viii .
{ إن الإنسان خلق هلوعاً } روى السدي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : الهلوع : الحريص على ما لا يحل له . وقال سعيد بن جبير : شحيحاً . وقال عكرمة : ضجوراً . وقال الضحاك والحسن : بخيلاً . وقال قتادة : جزوعاً . وقال مقاتل : ضيق القلب . والهلع : شدة الحرص ، وقلة الصبر . وقال عطية عن ابن عباس : تفسيره ما بعده ، وهو قوله : { إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعاً }
قوله تعالى : " إن الإنسان خلق هلوعا " يعني الكافر ، عن الضحاك . والهلع في اللغة : أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه . وكذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهما . وقد هلع ( بالكسر ) يهلع فهو هَلِيع وهلوع ، على التكثير . والمعنى أنه لا يصبر على خير ولا شر حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي . عكرمة : هو الضجور . الضحاك : هو الذي لا يشبع . والمنوع : هو الذي إذا أصاب المال منع منه حق الله تعالى . وقال ابن كيسان : خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويرضيه ، ويهرب مما يكرهه ويسخطه ، ثم تعبده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره . وقال أبو عبيدة : الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر ، وإذا مسه الضر لم يصبر ، قاله ثعلب . وقال ثعلب أيضا : قد فسر الله الهلوع ، وهو الذي إذا ناله الشر أظهر شدة الجزع ، وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( شر ما أعطي العبد شُحٌّ هالِعٌ وجُبْنٌ خَالِعٌ ) . والعرب تقول : ناقة هلواعة وهلواع ، إذا كانت سريعة السير خفيفة . قال{[15358]} :
صكّاء ذِعْلِبة إذا استدبرتها *** حرج إذا استقبلتها هِلواع
الذِّعْلب والذِّعْلِبة الناقة السريعة . و " جزوعا " و " منوعا " نعتان لهلوع . على أن ينوي بهما التقديم قبل " إذا " . وقيل : هو خبر كان مضمرة .
ولما كان من أعجب العجب أن يقبل على الدنيا أحد يسمع هذا التهديد بالعرض بين يدي الله والعقاب لمن لم يقبل على عبادته سبحانه ، بين أن ذلك لما جبله عليه سبحانه وأن الإنسان مقهور مع جبلته إلا من حفظه الله ، وذلك دال{[68354]} من كلا الطرفين على عظيم قدرته سبحانه ، قال مؤكداً لاقتضاء المقام للتأكيد لأن الإنسان لو خوف بالعرض على بعض الأمراء ما{[68355]} لابس ما يغضبه فكيف بالعزيز الحكيم القدير العليم : { إن الإنسان } أي هذا الجنس ، عبر به لما له من الأنس بنفسه والرؤية لمحاسنها والنسيان لربه ولذنبه .
ولما دعا الحال إلى بيان الجبلة الداعية إلى ما يقتضيه باختيار صاحبها على{[68356]} وجه كأنه إلجاء بياناً لسهولة الأمور عليه سبحانه بنى للمفعول قوله : { خلق هلوعاً * } أي جبل جبلة هو فيها بليغ الهلع وهو أفحش الجزع مع شدة الحرص وقلة الصبر والشح{[68357]} على المال والرغبة فيما لا ينبغي ، وعن ابن عباس رضي الله{[68358]} عنهما أنه الحريص على ما لا يحل له{[68359]} ، وروي عنه أن تفسيره ما{[68360]} بعده .
قوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23 والذين في أموالهم حق معلوم 24 للسائل والمحروم 25 والذين يصدقون بيوم الدين 26 والذين هم من عذاب ربهم مشفقون 27 إن عذاب ربهم غير مأمون 28 والذين هم لفروجهم حافظون 29 إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين 30 فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون 31 والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون 32 والذين هم بشهاداتهم قائمون 33 والذين هم على صلاتهم يحافظون 34 أولئك في جنات مكرمون } .
ذلك إخبار من الله عن حقيقة الإنسان في جبلته وطبعه . فهو مبنيّ على الضعف وحب النفس والشهوات . وذلك يفضي إلى الهلع والخور والأثرة والجزع إلا من استثناه الله برحمته فعصمه من طغيان الخسائس ودنيء الصفات النفسية والخلقية . وفي ذلك قال الله سبحانه : { إن الإنسان خلق هلوعا } والهلع ، أفحش الجزع{[4633]} وقد فسره الله بقوله : { إذا مسه الشر جزوعا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.