بمسبوقين : بمغلوبين ، إن شئنا تبديلهم خير منهم .
40 ، 41- فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب إنا لقادرون* على أن نبدّل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين .
أي أقسم بالله الخالق ، رب المشارق والمغارب ، أي مشارق الشمس والقمر والنجوم ومغاربها ، فللشمس في كل يوم من أيام السنة منزلة لشروقها ومنزلة لغروبها ، وكذلك القمر والنجوم ، أو المراد مشارق الشمس وهي في كل لحظة تشرق في مكان وتغرب عن مكان ، وكذلك القمر والنجوم ، وكل ذلك يوحي بالعظمة والجلال ، والقدرة والإبداع للخالق المبدع الذي أحسن كل شيء خلقه .
قال تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ( غافر : 57 ) .
وقد أقسم القرآن بجهتي الشرق والغرب ، والمراد بهما الجنس ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، وعلى مغرب من مغاربها ، وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجيء لفظتي الشرق والغرب تارة بصيغة المفرد ، وتارة بصيغة المثنى ، وتارة بصيغة الجمع .
فقال تعالى : رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا . ( المزمل : 9 ) .
وقال تعالى : رب المشرقين ورب المغربين . ( الرحمان : 17 ) .
أي : مشرق ومغرب الشتاء والصيف ، أو الشمس والقمر .
وقال تعالى : فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون .
والمقصود بيان عظمته تعالى وقدرته ، وبديع خلقه ، والتهوين من أمر الكافرين .
على أن نبدّل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين .
أي : أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نذهب بهؤلاء الكافرين كما أهلكنا من سبقهم من المكذبين ، وأن نأتي بقوم أطوع لله منهم ، وأفضل استقامة ، وأكثر اعترافا بفضل الله ، وما نحن بمغلوبين على أمرنا ، ولا توجد قوة تمنعنا عن تنفيذ ما نريد ، سوى أن حكمتنا البالغة اقتضت تأخير عقوبتهم .
قال تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز . ( فاطر : 15- 17 ) .
ثم أوعدهم بأنهم إن لم يؤمنوا ويرجعوا عن كفرهم أهلكَهم ، واستبدلَ بهم قوماً غيرهم خيراً منهم فقال :
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب إِنَّا لَقَادِرُونَ على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } .
لقد أقسَم الله تعالى بربِّ المشارقِ والمغارب ( وهي مشارقُ الشمس ومغاربها ) وببقية النجوم والكواكب ، فهي تُشرق كل يومٍ من مكان ، وتغرب كذلك ( فمشارقُ الشمس متعدّدة وكذلك مغاربها )
ولما كان في ذكر{[68494]} هذا الخلق مع ما تقدم إشارة عظيمة إلى ما كانوا يقولون : إنه إن كان الأمر كما يقولون من الحشر والجنة لنكونن آثر عند الله منكم ولندخلنها كما نحن الآن آثر منكم عنده{[68495]} بما لنا من الأموال ، والبسطة{[68496]} في الدنيا والوجاهة والإقبال ، وتنبيه على أن{[68497]} الكل متساوون في أنهم من نطفة فما فضلهم في هذه الدنيا بهذه النعم الظاهرة إلا هو سبحانه ، وقد فضل المؤمنين بالنعم الباطنة التي زادتهم في التمكن فيها التزكية بهذه الأوصاف العملية الناشئة عن الصفة العلمية ، وهو قادر على أن يضم إلى النعم الباطنة النعم الظاهرة ، ولذلك سبب عنه قوله : وأكد بنفي القسم المشير إلى عدم الحاجة إليه لكثرة الأدلة المغنية عنه لما لذلك المقسم عليه من الغرابة في ذلك الوقت لكثرة الكفار وقوة شوكتهم : { فلا } أي فتسبب عن خلقنا لهم من ذلك المنبه على أنا نقدر على كل شيء نريده وأنه{[68498]} لا يعجزنا شيء أي لا { أقسم } فلفت القول إلى أفراد الضمير معرى عن مظهر العظمة لئلا يتعنت متعنت في أمر الواحدانية { برب } أي{[68499]} مربي وسيد ومبدع ومدبر{[68500]} { المشارق } التي تشرق الشمس والقمر والكواكب السيارة كل يوم في موضع منها على المنهاج الذي دبره ، والقانون القويم الذي أتقنه وسخره ، ستة أشهر صاعدة وستة أشهر هابطة { والمغارب } {[68501]}كذلك على هذا الترتيب المحكم الذي لا يعتريه اختلال{[68502]} ، وهي التي ينشأ عنها الليل والنهار والفصول الأربعة ، فكان بها{[68503]} صلاح العالم بمعرفة الحساب وإصلاح المآكل والمشارب وغير ذلك من المآرب ، فيوجد كل من الملوين بعد أن لم يكن والنبات من النجم والشجر كذلك عادة مستمرة دالة على أنه قادر على الإيجاد والإعدام لكل ما يريده كما يريده من غير كلفة ما .
ولما كان المعنى : لا أقسم بذلك وإن كان عظيماً{[68504]} لأن الأمر في وضوحه لا يحتاج إلى قسم ، كما لو قال خصم لخصمه : احلف ، فيقول له : الأمر غني عن حلفي إذ{[68505]} يحتاج إلى اليمين من لا بينة له ، ثم يأتي من البينات بما{[68506]} لا يكون معه{[68507]} شبهة ، وكانوا في تفضيل أنفسهم - مع الاعتراف لله{[68508]} بالقدرة - كالمنكرين للقدرة على قلب الأمر ، أكد قوله عائداً إلى مظهر العظمة بعد دفع اللبس بما هو في وضوحه أجلى من الشمس : { إنا } أي بما لنا من العظمة { لقادرون * } بأنواع التأكيد بالأداة والأسمية والالتفات إلى مظهر العظمة{[68509]} في كل من الاسم والخبر ، فكان في إخباره بعد الإقسام مع التأكيد إشارة إلى أعلى مراتب التأكيد
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.