تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

المفردات :

فهم لا يسمعون : سماع تأمل وطاعة وقبول ، أي : لا يقبلون ولا يطيعون .

التفسير :

4- { بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } .

هذا القرآن نزل مشتملا على ألوان البيان ، فهو يبشر المؤمنين بالهدى والرضوان في الدنيا ، وبالجنة ونعيمها في الآخرة ، وهو ينذر الكافرين ببطش الله وعقوبته في الدنيا ، وبعذاب جهنم في الآخرة ، لكن الكفار لم يستجيبوا لدعوة القرآن لهم إلى الإيمان ، وأعرض أكثر الكافرين عن القرآن ، وانصرفوا عن هدايته والإصغاء إليه .

{ فهم لا يسمعون } .

سماع تدبر وإمعان ، وإن سمعت آذانهم القرآن إلا أنهم أعرضوا عنه بقلوبهم ، فكأنهم لم يسمعوه ، تقول : ذهبت إلى فلان لأعرض عليه الموضوع فلم يسمعني ، أي لم يستجب لما رجوته منه .

قال تعالى : { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } . ( محمد : 16 ) .

وقال سبحانه : { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } . ( الأنفال : 21 ) .

وقال عز شأنه : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا } . ( الإسراء : 45 ، 46 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

لا يسمعون : لا يطيعون .

ولقد أُنزل هذا الكتاب العظيم بشيراً لمن أطاع ونذيرا لمن عصى .

{ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } فلم يطيعوه ولم يقبلوه كأنهم لا يسمعون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

{ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي : بشيرًا بالثواب العاجل والآجل ، ونذيرًا بالعقاب العاجل والآجل ، وذكر تفصيلهما ، وذكر الأسباب والأوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة ، وهذه الأوصاف للكتاب ، مما يوجب أن يُتَلقَّى بالقبول ، والإذعان ، والإيمان ، والعمل به ، ولكن أعرض أكثر الخلق عنه إعراض المستكبرين ، { فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } له سماع قبول وإجابة ، وإن كانوا قد سمعوه سماعًا ، تقوم عليهم به الحجة الشرعية .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

قوله تعالى : { بشيراً ونذيراً } نعتان للقرآن أي : بشيراً لأولياء الله ، ونذيراً لأعدائه ، { فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } أي : لا يصغون إليه تكبراً .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

قوله تعالى : " حم ، تنزيل من الرحمن الرحيم " قال الزجاج : " تنزيل " رفع بالابتداء وخبره " كتاب فصلت آياته " وهذا قول البصريين . وقال الفراء : يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا . ويجوز أن يقال : " كتاب " بدل من قوله : " تنزيل " . وقيل : نعت لقوله : " تنزيل " . وقيل : " حم " أي هذه " حم " كما تقول باب كذا ، أي هو باب كذا ف " حم " خبر ابتداء مضمر أي هو " حم " ، وقوله : " تنزيل " مبتدأ آخر ، وقوله : " كتاب " خبره . " فصلت آياته " أي بينت وفسرت . قال قتادة : ببيان حلاله من حرامه ، وطاعته من معصيته . الحسن : بالوعد والوعيد . سفيان : بالثواب والعقاب . وقرئ " فصلت " أي فرقت بين الحق والباطل ، أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها ، من قولك فصل أي تباعد من البلد . " قرآنا عربيا " في نصبه وجوه ، قال الأخفش : هو نصب على المدح . وقيل : على إضمار فعل ، أي اذكر " قرآنا عربيا " . وقيل : على إعادة الفعل ، أي فصلنا " قرآنا عربيا " . وقيل : على الحال أي " فصلت آياته " في حال كونه " قرآنا عربيا " . وقيل : لما شغل " فصلت " بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل انتصب " قرآنا " لوقوع البيان عليه . وقيل : على القطع . " لقوم يعلمون " قال الضحاك : أي إن القرآن منزل من عند الله . وقال مجاهد : أي يعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل . وقيل : يعلمون العربية فيعجزون عن مثله ولو كان غير عربي لما علموه .

قلت : هذا أصح ، والسورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن .

" بشيرا ونذيرا " حالان من الآيات والعامل فيه " فصلت " . وقيل : هما نعتان للقرآن " بشيرا " لأولياء الله " نذيرا " لأعدائه . وقرئ " بشير ونذير " صفة للكتاب . أو خبر مبتدأ محذوف " فأعرض أكثرهم " يعني أهل مكة " فهم لا يسمعون " سماعا ينتفعون به . وروي أن الريان بن حرملة قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم آتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر ، وعلمت من ذلك علما لا يخفى علي إن كان كذلك . فقالوا : إيته فحدثه . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد أنت خير أم قصي بن كلاب ؟ أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا ، وتسفه أحلامنا ، وتذم ديننا ؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت ، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك . والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما فرغ قال : ( قد فرغت يا أبا الوليد ) ؟ قال : نعم . [ قال فاسمع مني ]{[13410]} قال : ( يا ابن أخي اسمع ) قال : " بسم الله الرحمن الرحيم . حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " إلى قوله : " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " [ فصلت : 13 ] فوثب عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وناشده الله والرحم ليسكتن ، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو جهل فقال : أصبوت إلى محمد ؟ أم أعجبك طعامه ؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا ، ثم قال : والله لقد تعلمون أني من أكثر قريش مالا ، ولكني لما قصصت عليه القصة أجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، ثم تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله : " مثل صاعقة عاد وثمود " [ فصلت : 13 ] وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فوالله لقد خفت أن ينزل بكم العذاب ، يعني الصاعقة . وقد روى هذا الخبر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ " حم . فصلت " حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع ، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره . فلما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة قال له : ( يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك ) فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا : والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم . ثم قالوا : ما وراءك أبا الوليد ؟ قال : والله لقد سمعت كلاما من محمد ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة ، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي ، خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ ، فان أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم ، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به ؛ لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم . فقالوا : هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد . وقال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم .


[13410]:الزيادة من سيرة ابن هشام.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

ولما كان حال الإنسان إن مال إلى جانب الخوف الهلع أو إلى جانب الرجاء البطر ، فكان لا يصلحه إلا الاعتدال ، بالتوسط الموصل إلى الكمال ، بما يكون لطبعه بمنزلة حفظ الصحة ودفع المرض لبدنه ، قال واصفاً ل " قرآناً " { بشيراً } أي لمن اتبع { ونذيراً } أي لمن امتنع فانقطع . روى أبو نعيم في الحلية في ترجمة إمامنا الشافعي رضي الله عنه وأرضاه أنه روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجه أنه قال في خطبة له : وأعجب ما في الإنسان قلبه ، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها إن سنح له الرجاء ادلهمه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن سعد بالرضى نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحزن ، وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، فكل تقصير به مضر وكل إفراط به مفسد .

ولما كانت عادتهم دوام الاحتياط في كل بشارة ونذارة بأمر دنيوي ، سبب عن هذا مخالفتهم لعادتهم في ترك الحزم بالجزم بالإعراض فقال : { فأعرض أكثرهم } أي عن تجويز شيء من بشائره أو نذائره { فهم } لذلك { لا يسمعون * } أي يفعلون فعل من لا يسمع فهم لا يقبلون شيئاً مما دعا إليه وحث عليه .