روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

{ بَشِيراً وَنَذِيراً } وموصوفها وهو { قُرْءاناً } [ فصلت : 3 ] بناءً على أنه صفة له بالصلة وهي { لِقَوْمٍ } على تقدير تعلقه بتنزيل أو بفصلت وبين الصلة وموصولها بالصفة أي { تَنزِيلَ } أو { فُصّلَتْ } و { لِقَوْمٍ } والجمع للمبالغة على حد قولك لمن يفرق بين أخوين : لا تفعل فإن التفريق بين الأخوان مذموم أو أراد لئلا يفرق بين الصلتين في الحكم مع عدم الموجب للتفريق وهو أن يتصل { مّنَ الرحمن } [ فصلت : 2 ] بموصوله ولا يتصل { لِقَوْمٍ يعملون }

وكذلك بين الصفتين وهو { عَرَبِيّاً } بموصوفه ولا يتصل { بَشِيراً } والجمع لذلك أيضاً . واختار أبو حيان كون الجار والمجرور صلة { فُصّلَتْ } وقال : يبعد تعلقه بتنزيل لكونه وصف قبل أخذ متعلقه إن كان { مّنَ الرحمن } في موضع الصفة أو أبدل منه { كِتَابٌ } أو كان خبراً لتنزيل فيكون في ذلك البدل من الموصول أو الإخبار عنه أخذه متعلقه وهو لا يجوز ولعل ذلك غير مجمع عليه ، وكون { بَشِيراً } صفة { قُرْءاناً } هو المشهور ، وجوز أن يكون مع ما عطف عليه حال من { كِتَابٌ } أو من { ءاياته } وقرأ زيد بن علي { بَشِيرٍ } ونذير برفعهما وهي رواية شاذة عن نافع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف أي هو بشير لأهل الطاعة ونذير لأهل المعصية { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } عن تدبره وقبوله ، والضمير للقوم على المعنى الأول ليعلمون وللكفار المذكورين حكماً على المعنى الثاني ، ويجوز أن يكون للقوم عليه أيضاً بأن يراد به ما من شأنهم العلم والنظر { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي لا يقبلون ولا يطيعون من قولك : تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه وهو مجاز مشهور .

وفي «الكشف » أن قوله تعالى : { فَأَعْرَضَ } مقابل قوله تعالى : { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ فصلت : 3 ] وقوله سبحانه : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } مقابل قوله جل شأنه : { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي أنكروا إعجازه والإذعان له مع العلم ولم يقبلوا بشائره ونذره لعدم التدبر .