الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (4)

ثم قال تعالى : { بشيرا ونذيرا } ، أي : يبشرهم – إن آمنوا وعملوا بما أمروا – بالخلود في الجنة وينذرهم – إن عصوا أو كفروا – بالخلود في النار .

وقوله : { لقوم يعلمون } معناه : لقوم{[60001]} يعقلون ما يقال لهم .

وهذا يدل على أن الله جل ذكره إنما خاطب العقلاء البالغين ، وإن من أشكل عليه شيء من أمر دينه{[60002]} وجب عليه أن يسأل من يعلم .

ثم قال تعالى : { فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } أي : فأعرض كثير منهم{[60003]} عن الإيمان واستكبروا عن قبول ما جاءهم به محمد عليه السلام ، فهم لا يصغون له فيسمعون ما فيه ، استكبارا .

وقيل : معنى لا يسمعون ، لا يقبلون ما جاءهم من عند الله عز وجل .

ويروى أن قريشا اجتمعت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم عتبة بن ربيعة – وكان مقدما في قريش ، قد قرأ الكتب وقال الشعر وعرف الكهانة والسحر – أنا أمضي{[60004]} إلى محمد فاستخبر أمره لكم . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المقام بمكة ، فقال : يا محمد ، إن كنت فقيرا جمعنا لك من أموالنا ما نغنيك{[60005]} به ، وإن أحببت الرياسة رأسناك{[60006]} علينا . . . وعدد عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت . فلما فرغ عتبة من كلامه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته } – إلى – { فهم لا يسمعون } فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : " { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد } – حتى بلغ – { وثمود } ، فلما سمع عتبة ذلك وثب خائفا فوضع{[60007]} يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وناشده بالرحم إلا سكت ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، وانصرف عنه إلى منزله ، وأبطأ على قريش .

فقالت قريش : صبأ عتبة إلى دين محمد ! امضوا بنا إليه . فجاؤوا منزل عتبة فدخلوا وسلموا{[60008]} وسألوه . فقال : يا قوم ، قد علمتم أني من أكثركم مالا وأوسطكم{[60009]} حسبا ، وأني لم أترك شيئا إلا وقد علمته وقرأته وقلته ، والله يا قوم ، لقد قرأ علي محمد كلاما ليس بشعر ( ولا رجز ){[60010]} ولا سحر ولا كهانة ، ولولا ما ناشدته الرحم ووضعت يدي على فمه{[60011]} لخفت أن ينزل بكم العذاب{[60012]} .

قال أبو محمد{[60013]} : وهذا يدل{[60014]} على إعجاز القرآن ، فلو كانوا يقدرون على مثله أو على شيء منه لعارضوه ولاحتجوا عليه بذلك .


[60001]:ساقط من (ح).
[60002]:(ح): دين الله.
[60003]:تحت السطر في (ت).
[60004]:(ح): أمضي.
[60005]:(ت) : ما تعنيك.
[60006]:(ح): ووصيناك.
[60007]:(ت): فترك.
[60008]:(ح): وسلموا عليه.
[60009]:(ح): وأوسعكم.
[60010]:ساقط من (ح).
[60011]:(ح): فيه.
[60012]:أورد النحاس في إعرابه 4/52 عن جابر بن عبد الله، وانظره أيضا في المحرر الوجيز 14/161، وجامع القرطبي 15/338، وتفسير ابن كثير 4/91. وهو مختص في المحرر الوجيز، وفيه زيادة ونقص عند ابن كثير.
[60013]:(ح): أبو محمد مؤلفه رضي الله عنه.
[60014]:(ح): مما يدل.