تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الجاثية

أهداف سورة الجاثية

سورة الجاثية مكية ، نزلت في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة ، بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، وآياتها 37 آية ، نزلت بعد سورة الدخان ، والسورة لها اسمان : سورة الجاثية ، لقوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية . . . } ( الجاثية : 28 ) .

وسورة الشريعة لقوله تعالى : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } . ( الجاثية : 18 ) .

الغرض من السورة

تحمل سورة الجاثية الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى ، والرد على الدهرية الذين لا يؤمنون به ، وينكرون البعث بعد الموت ، وقد دعت السورة إلى هذا تارة بالدليل ، وتارة بالترهيب والترغيب ، شأنها في ذلك شأن السورة السابقة ، وشأن السورة التي ذكرت قبلها ووافقتها في هذا الغرض ، كما وافقتها في الحروف التي ابتدأت بها ، ولهذا ذكرت هذه السورة معها ، وسميت مجموعة هذه السور بالحواميم ، نسبة إلى بدايتها بقوله تعالى : { حم } .

وقال الفيروزبادي :

معظم مقصود سورة الجاثية هو : بيان حجة التوحيد ، والشكاية من الكفار والمنكرين ، وبيان النفع والضر والإساءة والإحسان1 ، وبيان شريعة الإسلام والإيمان ، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان ، وذم متابعي الهوى ، وذل الناس في المحشر ، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ ، وتأبيد الكفار في النار ، وتحميد الرب المتعال بأوجز لفظ وأفصح مقال2 في قوله : { فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين } . ( الجاثية : 36 ) .

سمات السورة

لاحظنا أن سورة الجاثية تتميز بقصر الآيات ، وعنف الإيقاع كأنه مطارق تقرع القلوب ، وسورة الجاثية بجوارها تسير في يسر وهوادة ، وإيضاح هادئ ، وبيان دقيق عميق .

والله سبحانه خالق القلوب ، ومنزل هذا القرآن ، يأخذ القلوب تارة بالقرع والطرق ، وتارة باللمس الناعم الرفيق ، وتارة بالبيان الهادئ الرقيق ، حسب تنوعها هي واختلافها .

فمن الناس من ينفع معه الزجر والوعيد ، ومنهم من يأسره التوجيه الهادئ الرشيد ، والقلب الواحد يتقلب على حالات متعددة ، والله يختار له ما يناسبه ، وهو سبحانه اللطيف الخبير ، السميع البصير ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ) ، فقالت عائشة : يا رسول الله ، أراك تكثر من هذا الدعاء ، فقال النبي : ( يا عائشة ، إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء )3 .

منهج السورة :

سورة الجاثية تصور جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية ، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها ، وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها ، وإتباعهم للهوى إتباعا كاملا في غير ما تحرج من حق واضح أو برهان ظاهر ، كذلك تصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى ، المغلقة دون الهدى ، وهو يواجهها بآيات الله القاطعة ، والعميقة التأثير والدلالة ، ويذكرهم بعذابه ، ويصور لهم ثوابه ، ويقرر لهم سننه ، ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود .

درسان في السورة :

سورة الجاثية وحدة في علاج موضوعها ، وهذه الوحدة تشتمل على درسين :

الدرس الأول : يتناول أدلة الشرك بالتنفيذ ، وأدلة الإيمان بالتوضيح والتأييد .

والدرس الثاني : يعرض عناد الكافرين في الدنيا ، ثم يذكر أحوالهم في مشاهد القيامة .

1- شبهات الكفر ، وأدلة الإيمان

تبدأ سورة الجاثية بهذين الحرفين : حم ، والملاحظ أن هذه الأحرف يتبعها عادة الحديث عن القرآن ، مما يشير إلى أنها نزلت لتنوه بهذا القرآن ، وتستلفت الأنظار إلى خصائصه المتميزة ، وتبرهن بذلك على أنه ليس من صنع بشر ، وإنما هو من عند الله : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } . ( الجاثية : 2 ) .

وتعرض أدلة الإيمان والتوحيد ، وتستلفت الأنظار إلى جلال الله ، ودلائل قدرته في السماء والأرض ، والخلق والدواب ، والليل والنهار ، والمطر والزرع والرياح ، حتى تأخذ على النفس أقطارها ، وتواجهها بالحجج والبراهين ساطعة واضحة ، فتقول : { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 3 ) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( 4 ) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 5 ) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ( 6 ) } . ( الجاثية : 3-6 ) .

ومن خلال الآيات التالية نرى فريقا من الناس مصرا على الضلالة ، مكابرا في الحق ، شديد العناد ، سيء الأدب في حق الله وحق كلامه : { ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم } . ( الجاثية : 7 ، 8 ) .

ونرى جماعة من الناس ، ربما كانوا من أهل الكتاب ، سيئ التصوير والتقدير ، لا يقيمون وزنا لحقيقة الإيمان الخالصة ، ولا يحسون بالفارق الأصيل بينهم وهم يعلمون السيئات ، وبين المؤمنين الذي يعملون الصالحات ، والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقا أصيلا في ميزان الله بين الفريقين : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } . ( الجاثية : 21 ) .

ونرى فريقا من الناس لا يعرف حكما يرجع إليه هواه ، فهو إلهه الذي يعبده ، ويطيع كل ما يراه ، نرى هذا الفريق مصورا تصويرا فذًّا في هذه الآية التي تعجب من أمره ، وتشهر بغفلته وعماه : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } . ( الجاثية : 22 ) .

أرأيت كيف تناولت هذه السورة الهادئة أصناف المشركين و فرقهم المناوئة للدعوة ، ويجوز أن يكون هؤلاء جميعا فريقا واحدا من الناس يصدر منه هذا وذاك ، ويصفه القرآن في السورة هنا وهناك ، كما يجوز أن يكونوا فرقا متعددة .

وعلى أية حال فقد واجه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم ، وتحدث عنهم في هذه السورة ذلك الحديث ، كذلك واجههم الله بآياته في الآفاق وفي أنفسهم ، وفي البر والبحر ، حيث يقول سبحانه : { الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } . ( الجاثية : 12 ، 13 ) .

ويستغرق الدرس الأول من السورة الآيات من ( 1-23 ) .

2- عناد الكافرين وعقابهم يوم الدين

يشمل الدرس الثاني من السورة الآيات من ( 24-37 ) ، ويبدأ بعرض أقوال المشركين عن الآخرة وعن البعث والحساب ، ودعواهم بأن الأيام تمضي ، والدهر ينطوي ، فإذا هم أموات ، والدهر في ظنهم هو الذي ينهي آجالهم ، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون ، وقد فقد القرآن هذه الدعوى ، وبين أنها لا تستند إلى حقيقة أو يقين ، وإذا قرعتهم الآيات الدالة على ثبوت البعث لم يجدوا لهم حجة إلا أن يقولوا : { ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } . ( الجاثية : 25 ) .

والله سبحانه له حكمة في خلق الناس ، فقد خلقهم للاختبار والابتلاء في الدنيا ، ثم يجازيهم في الآخرة ، ولا يرجعهم إلى الدنيا قبل الموعد الذي قدره وفق حكمته العليا .

والله هو الذي يحيي وهو الذي يميت ، فلا عجب إذن من أن يحيي الناس ويجمعهم إلى يوم القيامة ، وهو سبحانه مالك السماوات والأرض ، وهو القادر على الإنشاء والإعادة .

مشاهد القيامة

تعرض الآيات الأخيرة من سورة الجاثية مشاهد الآخرة ، ظاهرة ملموسة للعين ، ومن خلال الآيات نرى المشركين وقد جثوا على الركب ، متميزين أمة أمة في ارتقاب الحساب المرهوب .

ثم يأخذون كتابهم وقد سجل كل شيء فيه ، ونسخت فيه كل أعمالهم : { وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } . ( الجاثية : 28 ، 29 ) .

ثم تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة على مدى الأجيال إلى فريقين اثنين : الذين آمنوا ، وهؤلاء يدخلهم ربهم في رحمته . والذين كفروا ، وهؤلاء يلقون التشهير والتوبيخ جزاء عنادهم ، وعندئذ تظهر أمامهم سيئات ما عملوا ، ويحيق بهم المهانة والعذاب ، ويسدل الستار عليهم ، وقد أوصدت عليهم أبواب النار : { ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } . ( الجاثية : 35 ) .

وهنا ينطلق صوت التحميد يعلن وحدة الربوبية في هذا الكون : سمائه وأرضه ، إنسه وجنه ، طيره ووحشه ، وسائر ما فيه ومن فيه ، فكلهم في رعاية رب واحد ، له الكبرياء المطلق في هذا الوجود ، وله العزة القادرة والحكمة المدبرة : { فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين * وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } . ( الجاثية : 36 ، 37 ) .

أدلة الألوهية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم ( 1 ) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( 2 ) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 3 ) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( 4 ) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 5 ) }

المفردات :

حم : حرفان من حروف المعجم ، أو أداة للتنبيه ، أو للتحدي والإعجاز .

التفسير :

1- { حم } :

حرفان من حروف المعجم التي افتتح الله تعالى بها بعض السور للتنبيه ، فهي بمثابة الجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة ، أو للتحدي والإعجاز ، أو للإشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته ، أو هي لجميع هذه المعاني ، وغيرها مما سبق ذكره في أول سورة البقرة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجاثية مكية وآياتها سبع وثلاثون ، نزلت بعد سورة الدخان . وهي كباقي السور المكية تتناول أسس العقيدة ، التوحيدَ والرسالة والبعثَ ، وتركّز على إثبات دلائل القدرة والوحدانية وتصوّر جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية ، وطريقتهم في مواجهة حُججها وآياتها وتعنّتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها . وكيف يعالج القرآن قلوبهم الجامحة مع الهوى ، المغلقة دون الهدى . . يواجهها بآيات الله القاطعة المؤثرة ، ويذكّرهم عذابه ، ويصوّر لهم ثوابه ، ويقرر لهم سُننه ، ويعرفهم بنواميسه في هذا الوجود .

وقد سميت " سورة الجاثية " بقوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تُدعى إلى كتابها } .

افتتحت السورة بذكر القرآن الكريم وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم ، ثم عرضت أدلة كونية وعقلية لإثبات عقيدة الإيمان والدعوة إلى اعتناقه ، ثم أخذت تعدّد نِعم الله وفضلَه على عباده ، وطلبت من المؤمنين أن يغفروا للمنكرين . . فالله وحده هو الذي يَجزي كل نفس بما كسبت . وقد تحدثت عن بني إسرائيل ، وما تفضّل الله به عليهم ، فجَحدوا النعمة وعصوا أوامر الله ، كما تحدثت عن انقسام الناس أمام هداية الله إلى فريقين : مسلمين ومجرمين . وإذا كان المؤمن يعبد الله ، فإن الكافر إنما يعبد هواه . وشتّان بين الاثنين ! كذلك وتحدّثت السورة عن الدهريّين والطبيعيّين الذين أنكروا وجود الخالق والبعث والجزاء والحياة بعد الموت .

ويسير سياق السورة في عرض موضوعاتها في يُسر وهدوء ، والله في خطابه يأخذ القلوب تارة بالشدة ، وتارة باللمس الناعم الرقيق ، وبالبيان الهادئ الرفيق حسب اختلافها وتنوّع حالاتها ومواقفها " وهو العزيز الحكيم " .

حم : حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة وقد سبق الكلام عن مثله .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

مكية كلها في قول الحسن وجابر وعكرمة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية ، هي " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " {[1]} [ الجاثية : 14 ] نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذكره الماوردي . وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس : إنها نزلت في عمر رضي الله عنه ، شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة ، فأراد أن يبطش به ، فأنزل الله عز وجل : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " [ الجاثية : 14 ] ثم نسخت بقوله : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[2]} [ التوبة : 5 ] . فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلاف . وهي سبع وثلاثون آية . وقيل ست .

قوله تعالى : " حم " مبتدأ و " تنزيل " خبره . وقال بعضهم : " حم " اسم السورة .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[2]:في بعض النسخ: "أبي قاسم"
   
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجاثية{[1]} وتسمى{[2]} الشريعة

مقصودها الدلالة على أن منزل {[3]}هذا الكتاب{[4]}-كما دل عليه في{[5]} الدخان- ذو العزة ؛لأنه لا يغلبه شيء ، وهو يغلب كل شيء ، والحكمة ؛ لأنه لم يضع شيئا إلا في أحكم مواضعه ، فعلم أنه المختص بالكبرياء فوضع شرعا[ هو-{[6]} ] في غاية الاستقامة لا تستقل العقول بإدراكه ولا يخرج شيء منه عنه ، أمر فيه ونهي ، ورغب[ ورهب-{[7]} ] ثم بطن حتى أنه لا يعرف ، ثم ظهر حتى أنه لا يجهل ، فمن المكلفين [ من حكم-{[8]} ]عقله وجانب هواه فشهد جلاله فسمع وأطاع ، ومنهم من تبع هواه فضل عن نور العقل فزاغ وأضاع{[9]} فاقتضت الحكمة ولا بد أن يجمع سبحانه الخلق ليوم الفصل فيظهر كل الظهور ويدين عباده ليشهد رحمته المطيع وكبرياءه العاصي ، وينشر العدل ويظهر الفضل ، ويتجلى في جميع صفاته لجميع خلقه ، وعلى ذلك دل اسمها الشريعة ، واسمها الجاثية واضح الدلالة فيه إذا تؤمل كل من آيتيهما-والله سبحانه وتعالى الهادي . { بسم الله } الذي تفرد بتمام العز والكبرياء { الرحمن } الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء ( الرحيم ) الذي خص بملابس طاعته الأولياء .

{ حم * } أي حكمة محمد إليها المنتهى{[57803]} كما تقدم في الدخان ما أفهم إنزاله من أم الكتاب جملة إلى بيت العزة ، ودل على بركته مما دل على حكمة منزله وعزته{[57804]} بالبشارة والنذارة والإيقاع بالمجرمين بعد طول الحلم{[57805]} والأناة والنجاة للمتقين وغير ذلك من أمور هي في غاية الدلالة على ذلك ؛ لأنها راجعة إلى الحس لمن ألقى السمع ، وهو شهيد ، وأشار إلى سهولتها {[57806]}على من{[57807]} تأمل هذا الذكر المترجم بلسان أعلى الخلق وأكملهم وأشرفهم خلائق{[57808]} وأفضلهم .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[57803]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: المتسمى.
[57804]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: غره.
[57805]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الحكم.
[57806]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لمن.
[57807]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لمن.
[57808]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: خلقا وخلقا.