الخزي : المسخ والذلّ والإهانة .
لو كانوا يعلمون : لو كانوا يعلمون ذلك ما كذبوا ولا كفروا .
26-{ فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .
من شأن القرآن أن يعرض عذاب الآخرة مشاهدا ، كأنما يراه الإنسان واقعا أمامه ليتّعظ ويعتبر ، وهنا يقول : لقد ذاق الكفار ألوان العذاب في الدنيا .
قال تعالى : { فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا . . . } ( العنكبوت : 40 ) .
لقد أصابهم العذاب المادّي ، وأذاقهم مع ذلك الخزي والهوان والذل في الحياة الدنيا ؛ حيث أصبحوا مثلا وعبرة يعتبر بها في الدنيا ، وفي الآخرة عذاب أكبر ، وأهوال جسام ، حيث يجدون في النار ألوان العذاب والهوان والقهر والإذلال .
{ لو كانوا يعلمون } . ذلك علما يقينا ما كذّبوا ولا كفروا ، أو لو كان من شأنهم أن يعلموا شيئا لعلموا ذلك واعتبروا به .
{ ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .
يعني أن أولئك ، وإن نزل عليهم العذاب والخزي كما تقدم ذكره ، فالعذاب المدّخر لهم في يوم القيامة أكبر وأعظم من ذلك الذي وقع ، والمقصود من كل ذلك التخويف والترهيب {[596]} .
" فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون . فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا " تقدم معناه . وقال المبرد : يقال لكل ما نال الجارحة من شيء قد ذاقته ، أي وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما . قال : والخزي من المكروه والخزاية من الاستحياء " ولعذاب الآخرة أكبر " أي مما أصابهم في الدنيا " لو كانوا يعلمون " .
ولما بين سفههم وشدة حمقهم باستعجالهم بالعذاب استهزاء ، سبب عنه تبكيت من لم يتعظ بحالهم فقال : { فأذاقهم الله } أي الذي لا راد لأمره { الخزي } أي الذل الناشئ عن الفضيحة والعذاب الكبير بما أرادوه من إخزاء الرسل بتكذبيهم { في الحياة الدنيا } أي العاجلة الدنية .
ولما كان انتظار الفرج مما يسلي ، قال معلماً أن عذابهم دائم على سبيل الترقي إلى ما هو أشد ، وأكده لإنكارهم إياه : { ولعذاب الآخرة } أي الذي انتقلوا إليه بالموت ويصيرون إليه بالبعث : { أكبر } من العذاب الذي أهلكهم في الدنيا ، وأشدهم إخزاء ، فالآية من الاحتباك : ذكر الخزي أولاً دليلاً على إرادته ثانياً ، والأكبر ثانياً دليلاً على الكبير أولاً ، وسره تغليظ الأمر عليهم بالجمع بين الخزي والعذاب بما فعلوا برسله عليهم الصلاة والسلام بخلاف ما يأتي في فصلت . فإن سياقه للطعن في الوحدانية ، وهي لكثرة أدلتها وبعدها عن الشكوك وعظيم المتصف بها وعدم تأثيره بشيء يكفي في نكال الكافر به مطلق العذاب .
ولما كان من علم أن فعله يورث نكالاً كف عنه ولا يكفون ولا يتعظون قال : { لو كانوا يعلمون * } أي لو كان لهم علم ما لعلموا أنه أكبر فاتعظوا وآمنوا ، ولكنه لا علم لهم أصلاً ، بل هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ، لأن الجزئيات لا تنفعهم كما تنفع سائر الحيوانات ، فإن الشاة ترى الذئب فتنفر منه إدراكاً لأن بينها وبينه عداوة بما خلق الله في طبعه من أكل أمثالها ، وهؤلاء يرون ما حل بأمثالهم من العذاب لتكذيبهم الرسل فلا يفرون منه إلى التصديق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.