تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَبِٱلَّيۡلِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (138)

المفردات :

مصبحين ، وبالليل ، داخلين في الصباح والمساء ، أي نهارا وليلا .

التفسير :

137- 138- { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين* وبالليل أفلا تعقلون } .

وكان أهل مكة يسيرون في تجارتهم إلى الشام ، ويمرون على سدوم في طريقهم ، فلفت القرآن أنظارهم إلى أنهم يمرون على هذه القرية صباحا أو مساء أفلا تتعظون بهم ، وتستخدمون عقولكم ، في أن هؤلاء هلكوا بسبب مخالفة رسولهم ، وعدم إيمانهم بربهم ، وأنتم تفعلون نفس فعلهم ، وتستحقون مثل هذه العقوبة ، أو تبادروا بالتوبة على الله تعالى ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى غزوة تبوك على مشارف الروم ، ومرّ بالطريق على قرية ثمود ، فحنى رأسه ، واستحث راحلته ، وأسرع في السير ، وقال لأصحابه : " لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم ، إلا وأنتم مشفقون{[553]} أن يصيبكم ما أصابهم " {[554]} .

وقد قال صلى الله عليه وسلم " ملعون من عَمِل عمل قوم لوط " {[555]} .

وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يستحي من الحق ، لا تجامعوا النساء في حشاشتهن " {[556]} أي : في أدبارهن ، وقد حرم الإسلام جماع المرأة في دبرها ، وحرّم الإسلام المثلية الجنسية ، وهي استغناء الرجال بالرجال ، واستغناء النساء بالنساء ، لأن ذلك شذوذ جنسي ، وخروج على فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فالله عز وجل خلق الزوجين الذكر والأنثى ، في النّبات والحيوان والإنسان ، وعن طريق التلقيح بين الذكر والأنثى يتم الإخصاب والتوالد ، وتعمر الأرض ، ويتم التناسل ، كما خلق الله صدْر الرجل وصدْر الأنثى بصورة يتم معها التقابل والإمتاع ، والمودة والرحمة ، والاستمتاع الحلال .

قال صلى الله عليه وسلم : " في بضع أحدكم صدقة " فقلنا : يا رسول الله ، يأتي أحدنا شهوته فيكون له ثواب ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه عقاب " قلنا : نعم ، قال : " فكذلك لو وضعها في حلال كان له ثواب " {[557]} .

إن أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان ذاقت العلقم من جراء الإيدز ، وعادت هذه البلاد إلى التحذير من العلاقة الجنسية غير المشروعة طلبا للوقاية من نقل الأمراض ، وقد سبق الإسلام حين حرّم الزنا ، وحث على العفة والاستقامة ، وشجع الزواج الحلال ، وبناء الأسرة والعشرة بالمعروف ، وكل ما من شأنه إسعاد الرجل والمرأة ، وإقامة أسرة سعيدة آمنة مطمئنة نفسيا وجنسيا وسلوكيا وأخلاقيا ودينيا ، تتمتع بالمودة والرحمة والألفة والانسجام .

قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة عن ذلك لآيات لقوم يتفكرون } . [ الروم : 21 ] .


[553]:المقصود الاتعاظ بالهالكين مثل ثمود قوم صالح، ومثل قوم لوط.
[554]:لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم: رواه البخاري في الصلاة (415) وفي أحاديث الأنبياء (112،313) وفي المغازي (4.76، 4.86)، وفي تفسير القرآن (4333)، ومسلم في الزهد (5292، 5293)، وأحمد (4333، 4974، 5090). من حديث عبد الله بن عمر بلفظ:" لا تدخلوا على هؤلاء العذبين إلا أن تكونوا باكين... " الحديث.
[555]:ملعون من عمل بعمل قوم لوط: رواه أحمد في مسنده (1878) والترمذي تعليقا في الحدود (1456) من حديث ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، معلون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط".
[556]:إن الله لا يستحيى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن: رواه الترمذي في الرضاع (1164) والدارمي في الطهارة (1141) من حديث علي بن طلق قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "إذا أحدث أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ ثم يصلي ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأتوا النساء في أدبارهن فإن الله لا يستحيى من الحق ". وقال الترمذي: حديث علي بن طلق حديث حسن وسمعت محمد يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى وكيع هذا الحديث. ورواه ابن ماجة في النكاح (1924) وأحمد في مسنده (21351) من حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " إن الله لا يستحيى من الحق – ثلاث مراث – لا تأتوا النساء في أدبارهن "
[557]:وفي بضع أحدكم صدقة: رواه مسلم في الزكاة (1006) من حديث أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: " أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن صدقة وفي بضع أحدكم صدقة " قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذا إذا وضعها في الحلال كان له أجر ".