الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ} (11)

{ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } أي ليميّزنهم ويظهر أمرهم بالإبتلاء والاختبار والفتن والمحن .

واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية :

فقال مجاهد : نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا . الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون ، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك . عكرمة عن ابن عباس : نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر ، فارتدوا وهم الذين نزلت فيهم

{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } [ النساء : 97 ] . . . الآية ، وقد مضت القصة . قتادة : نزلت هذه الآية في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة .

وهذه الآيات العشر مدنية إلى هاهنا ، وسائرها مكي ، وقال مقاتل والكلبي : نزلت في العياش بن أبي ربيعة بن مغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي ، وذلك إنّه أسلم فخاف أهل بيته فهاجر إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي ( عليه السلام ) ، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة ابن أبي جندل بن نهشل التميمي أن لاتأكل ولا تشرب ولا تغسل لها رأساً ولا تدخل لبيتاً حتى يرجع إليها ، فلما رأى ابناها أبو جهل والحارث ابنا هشام وهما أخوا عيّاش لأُمّه جزعها وحلفها رهبا في ظلمة حتى أتيا المدينة فلقياه ، فقال أبو جهل لأخيه عياش بن أبي ربيعة : قد علمت أنّك أحبّ إلى أمّك من جميع ولدها وكنت بها باراً ، وقد حلفت أمك إنّها لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتاً حتى ترجع إليها ، وأنت تزعم أنّ في دينك بر الوالدين ، فارجع إليها فإنّ ربّك الذي تعبده بالمدينة هو ربك بمكة فاعبده بها ، فلم يزالا به حتى أخذ عليهما المواثيق لا يحركاه ولا يصرفاه عن دينه ، فأعطياه ما سأل من المواثيق فتبعهما ، وقد صبرت أمه ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت ، قالا : فلما خرجوا من أهل المدينة أخذاه فأوثقاه وجلده كلّ واحد منهما مائة جلدة حتى تبرأ من دين محمّد ( رحمهما الله ) جزعاً من الضرب وقال ما لا ينبغي ، فأنزل الله سبحانه فيه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ } . . . الآية .

قالا : وكان الحارث أشدهما عليه وأسوأهما قولا ، فحلف عياش بالله لئن قدر عليه خارجاً من الحرم ليضربنّ عنقه ، فلما رجعوا إلى مكة مكثوا حيناً ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينة ، فهاجر عياش وأسلم وحسن إسلامه . ثم إنّ الله تعالى قذف الإيمان في قلب الحارث بن هشام ، فهاجر إلى المدينة وبايع النبي ( عليه السلام ) على الإسلام ولم يحضر عياش ، فلقيه عياش يوماً بظهر قباء ولم يشعر بإسلامه ، فضرب عنقه ، فقيل له : إنّ الرجل قد أسلم ، فاسترجع عياش وبكى ، ثم أتى النبي ( عليه السلام ) وأخبره بذلك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى :

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] . . . الآية .