الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } اختلف النحاة في وجه نصب الحسن ، فقال أهل البصرة : على التكرير تقديره ووصيناه حسناً أي بالحسن ، كما يقول : وصيته خيراً ، أي بخير ، وقال أهل الكوفة : معناه ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً ، فحذفه لدلالة الكلام عليه كقول الراجز :

عجبت من دهماء إذ تشكونا *** ومن أبي دهماء إذ يوصينا

خيراً بها كأنّنا جافونا

أي يوصينا أن نفعل بها خيراً ، وهو مثل قوله :

{ فَطَفِقَ مَسْحاً } [ ص : 33 ] أي يمسح مسحاً .

وقيل معناه : وألزمناه حسناً ، وقرأ العامة { حُسْناً } بضم الحاء وجزم السين ، وقرأ أبو رجاء العطاردي بفتح الحاء والسين .

وفي مصحف أبي { إِحْسَانًا } نزلت في سعد بن أبي وقاص الزهري . واسم أبي وقاص : مالك بن وهبان ، وذلك إنّه لما أسلم قالت له أمه جمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : يا سعد بلغني إنّك صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد وترجع إلى ما كنت عليه ، وكان أحب ولدها إليها ، فأبى سعد وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل ، فأتى سعد النبي ( عليه السلام ) وشكا ذلك إليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترضاها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك وذلك قوله سبحانه : { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } إنّه لي شريك { فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

أخبرنا عبد الله بن حامد قراءة قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا نمير بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " قلت : يا رسول الله من أبرّ ؟ قال : " أمّك " ، قلت : ثم من ؟ قال : " أمّك " ، قلت : ثم من ؟ قال : " ثم أمّك " ، قلت : ثم من ؟ قال : " ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب " .

وأخبرنا عبد الله إجازة قال : أخبرنا عثمان بن أحمد قال : حدثنا علي بن إبراهيم الواسطي قال : حدثنا منصور بن مهاجر قال : حدثنا أبو النصر الأبار ، عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :

" الجنة تحت أقدام الأمهات " .