فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ} (11)

{ وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله } أي في شأن الله ولأجله كما يفعله أهل الكفر مع أهل الإيمان ، وكما يفعله أهل المعاصي مع أهل الطاعات من إيقاع الأذى عليهم لأجل الإيمان بالله والعمل بما أمر به { جَعَلَ فِتْنَةَ الناس } التي هي ما يوقعونه عليه من الأذى { كَعَذَابِ الله } أي جزع من أذاهم . فلم يصبر عليه ، وجعله في الشدّة والعظم كعذاب الله ، فأطاع الناس كما يطيع الله . وقيل : هو المنافق إذا أُوذي في الله رجع عن الدين فكفر . قال الزجاج : ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله { وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ } أي نصر من الله للمؤمنين وفتح وغلبة للأعداء وغنيمة يغنمونها منهم { لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } أي داخلون معكم في دينكم ، ومعاونون لكم على عدوّكم ، فكذبهم الله وقال : { أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين } أي هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشرّ ، فكيف يدّعون هذه الدعوى الكاذبة ؟ وهؤلاء هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف ، كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم . وإذا ظهرت قوّة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن { إِنَّا كُنَّا مَّعَكُمْ } وقيل : المراد بهذا وما قبله المنافقون .

قال مجاهد : نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم . فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا . وقال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون . فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك ، والظاهر أن هذا النظم من قوله : { وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ } إلى قوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } نازل في المنافقين لما يظهر من السياق . ولقوله : { وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين } فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده ، أي ليميزنّ الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين ، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر ، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله . والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا ، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عزّ وجلّ ، وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام ، وزعم أنه من المسلمين .

/خ13