جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال أصحاب يوسف لإخوته : فما ثواب السّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ . يقول جلّ ثناؤه : وقال إخوة يوسف : ثواب السّرَق مَنْ وُجد في متاعه السّرَق فهو جزاؤه ، يقول : فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يُسْلَم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقّه . كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يقول : كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَهُوَ جَزَاؤُهُ أي سُلّم به ، كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ : أي كذلك نصنع بمن سَرَق منا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزّاق ، عن معمر ، قال : بلغنا في قوله : قالُوا فمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ أخبروا يوسف بما يُحْكَم في بلادهم أنه من سَرَق أُخِذ عبدا ، فقالوا : جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : قالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ تأخذونه فهو لكم .

ومعنى الكلام : قالوا : ثواب السّرَق الموجود في رحله ، كأنه قيل : ثوابه استرقاق الموجود في رحله ، ثم حذف «استرقاق » ، إذ كان معروفا معناه ، ثم ابتدىء الكلام فقيل : هو جزاؤه كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ .

وقد يحتمل وجها آخر : أن يكون معناه : قالوا ثواب السرق الذي يوجد السرق في رحله ، فالسارق جزاؤه . فيكون «جزاؤه » الأوّل مرفوعا بجملة الخبر بعده ، ويكون مرفوعا بالعائد من ذكره في «هو » ، و «هو » رافع «جزاؤه » الثاني .

ويحتمل وجها ثالثا : وهو أن تكون «مَنْ » جزائية ، وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في الهاء التي في «رحله » ، والجزاء الأوّل مرفوعا بالعائد من ذكره في «وجد » ، ويكون جواب الجزاء الفاء في «فهو » . والجزاء الثاني مرفوع ب «هو » ، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : قالوا : جزاء السّرَق من وُجد السّرَق في رحله ، فهو ثوابه يُسْترقّ ويستعبد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (75)

قوله : { جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه } . { جزاؤه } الأول مبتدأ ، و { مَن } يجوز أن تكون شرطية وهي مبتدأ ثان وأن جملة { وجد في رحله } جملة الشرط وجملة { فهو جزاؤه } جواب الشرط ، والفاء رابطة للجواب ، والجملة المركبة من الشرط وجوابه خبر عن المبتدإ الأول . ويجوز أن تكون { من } موصولة مبتدأ ثانياً ، وجملة { وجد في رحله } صلة الموصول . والمعنى أن من وجد في رحله الصوَاع هو جزاء السرقة ، أي ذاته هي جزاء السرقة ، فالمعنى أن ذاته تكون عِوضاً عن هذه الجريمة ، أي أن يصير رفيقاً لصاحب الصواع ليتمّ معنى الجزاء بذات أخرى . وهذا معلوم من السياق إذ ليس المراد إتلاف ذات السارق لأن السرقة لا تبلغ عقوبتها حدّ القتل .

فتكون جملة { فهو جزاؤه } توكيداً لفظياً لجملة { جزاؤه من وجد في رحله } ، لتقرير الحكم وعدم الانفلات منه ، وتكون الفاء للتفريع تفريع التأكيد على الموكّد . وقد حَكَم إخوة يوسف عليه السلام على أنفسهم بذلك وتراضوا عليه فلزمهم ما التزموه .

ويظهر أن ذلك كان حُكماً مشهوراً بين الأمم أن يسترقَّ السارق . وهو قريب من استرقاق المغلوب في القتال . ولعله كان حكماً معروفاً في مصر لما سيأتي قريباً عند قوله تعالى : { ما كان ليأخذ أخاه في دِين الملك } [ سورة يوسف : 76 ] .

وجملة { كذلك نجزي الظالمين } بقيمة كلام إخوة يوسف عليه السلام ، أي كذلك حُكْم قومنا في جزاء السارق الظالم بسرقته ؛ أو أرادوا أنه حكم الإخوة على من يقدّر منهم أن يظهر الصواع في رحله ، أي فهو حقيق لأن نجزيه بذلك .

والإشارة ب { كذلك } إلى الجزاء المأخوذ من { نجزي } ، أي نجزي الظالمين جزاءً كذلك الجزاء ، وهو من وُجد في رحله .