جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ} (20)

وقوله : وَإنيّ عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أنْ تَرْجُمُونَ يقول : وإني اعتصمت بربي وربكم ، واستجرت به منكم أن ترجمون .

واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبيّ الله عليه السلام بربه منه ، فقال بعضهم : هو الشتم باللسان . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أنْ تَرْجُمُونَ قال : يعني رجم القول .

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : وإنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أنْ تَرْجُمُونَ قال : الرجم : بالقول .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح وإنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أنْ تَرْجُمُونِ قال : أن تقولوا هو ساحر .

وقال آخرون : بل هو الرجم بالحجارة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أن تَرْجُمونِ : أي أن ترجمُون بالحجارة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أنْ تَرْجُمُونَ قال : أن ترجمون بالحجارة .

وقال آخرون : بل عنى بقوله : أنْ تَرْجُمُونِ : أن تقتلوني .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دلّ عليه ظاهر الكلام ، وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجُمه فرعون وقومه ، والرجم قد يكون قولاً باللسان ، وفعلاً باليد . والصواب أن يقال : استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذًى ومكروه ، شتما كان ذلك باللسان ، أو رجما بالحجارة باليد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ} (20)

وجملة { وإني عذت بربي } عطف على جملة { أدوا إلي عباد الله } ، فإن مضمون هذه الجملة مما شمله كلامه حين تبليغ رسالته فكان داخلاً في مجمل معنى { وجاءهم رسول كريم } المفسرُ بما بعد { أنْ } التفسيرية . ومعناه : تحذيرهم من أن يرجموه لأن معنى { عذت بربي } جعلتُ ربي عوذاً ، أي مَلْجَأ . والكلام على الاستعارة بتشبيه التذكير بخوف الله الذي يمنعهم من الاعتداء عليه بالالتجاء إلى حصن أو معقل بجامع السلامة من الاعتداء . ومثل هذا التركيب ممّا جرى مجرى المثل ، ومنه قوله في سورة مريم ( 18 ) { قالت إنّي أعوذ بالرحمان منك إن كنتَ تقياً } وقال أحَدُ رُجّاز العرب :

قالت وفيها حَيْدة وذُعْر *** عَوْذ بربي منكمُ وحِجْر

والتعبير عن الله تعالى بوصف { ربي وربكم } لأنه أدخل في ارعوائهم من رجمه حين يتذكرون أنه استعصم بالله الذي يشتركون في مربوبيته وأنهم لا يخرجون عن قدرته .

والرجم : الرمي بالحجارة تباعاً حتى يموت المرمِي أو يثخنه الجراح . والقصد منه تحقير المقتول لأنهم كانوا يرمون بالحجارة من يطردونه ، قال : { فاخرُج منها فإنك رجيمٌ } [ الحجر : 34 ] .

وإنّما استعاذ موسى منه لأنه علم أن عادتهم عقاب من يخالف دينهم بالقتل رمياً بالحجارة . وجاء في سورة القصص ( 33 ) { فأخاف أن يقْتلون } ومعنى ذلك إن لم تؤمنوا بما جئت به فلا تقتلوني ، كما دل عليه تعقيبه بقوله : { وإن لم تؤمنوا لي } .

والمعنى : إن لم تؤمنوا بالمعجزة التي آتيكم بها فلا ترجموني فإني أعوذ بالله من أن ترجموني ولكن اعتزلوني فكونوا غير موالين لي وأكون مع قرمي بني إسرائيل ، فالتقدير : فاعتزلوني وأعتزلكم لأن الاعتزال لا يتحقق إلا من جانبين .