جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا} (5)

وقوله فاصْبِرْ صَبْرا جمِيلاً يقول تعالى ذكره : فاصبر صبرا جميلاً ، يعني : صبرا لا جزع فيه . يقول له : اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فاصْبِرْ صَبْرا جَمِيلاً قال : هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم ، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدّة والقتل حتى يتركوا ، ونسخ هذا .

وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الاَية ، ثم نسخ ذلك قول لا وجه له ، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصحّ منها الدعاوي ، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الأحوال ، بل كان ذلك أمرا من الله له به في كلّ الأحوال ، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم ، وهو في كلّ ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذًى قبل أن يأذن الله له بحربهم ، وبعد إذنه له بذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا} (5)

اعتراض مفرع : إِما على ما يومىء إليه { سأَل سائل } [ المعارج : 1 ] من أنه سؤال استهزاء ، فهذا تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم وإما على { سأل سائل } بمعنى : دعا داع .

فالفاء لتفريع الأمر بالصبر على جملة { سال سائل إذا كان ذلك السؤال بمعنييه استهزاء وتعريضاً بالتكذيب فشأنه أن لا تصبر عليه النفوس في العرف .

والصبر الجميل : الصبر الحسن في نوعه وهو الذي لا يخالطه شيء مما ينافي حقيقة الصبر ، أي اصبر صبراً محضاً ، فإن جمال الحقائق الكاملة بخلوصها عما يعَكر معناها من بقايا أضدادها ، وقد مضى قوله تعالى عن يعقوب فصبْرٌ جميل في سورة يوسف ( 18 ) وسيجيء قوله تعالى : { واهجرهم هجراً جميلاً } في المزمل ( 10 ) .