جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالٗا لُّبَدًا} (6)

وقوله : يَقُولُ أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا يقول هذا الجليد الشديد : أهلكت مالاً كثيرا ، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنفقت ذلك فيه ، وهو كاذب في قوله ذلك وهو فعل من التلبد ، وهو الكثير ، بعضه على بعض ، يقال منه : لَبد بالأرض يَلْبُد : إذا لصق بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : مالاً لُبَدا يعني باللبد : المال الكثير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مالاً لُبَدا قال : كثيرا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مسلم ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا . قال : مالاً كثيرا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا : أي كثيرا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مالاً لُبَدا قال : اللبد : الكثير .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : مالاً لُبَدا بتخفيف الباء . وقرأه أبو جعفر بتشديدها . والصواب بتخفيفها ، لإجماع الحجة عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالٗا لُّبَدًا} (6)

أعقبت مساوي نفسه بمذام أقواله ، وهو التفخر الكاذب والتمدح بإتلاف المال في غير صلاح . وقد كان أهل الجاهلية يتبجحون بإتلاف المال ويعدونه منقبة لإيذانه بقلة اكتراث صاحبه به ، قال عنترة :

وإذَا سَكِرْتُ فإنَّنِي مُسْتَهْلِـــكٌ *** مالي وعِرضي وافرٌ لم يُكْلَمِ

وَإذَا صَحَوْتُ فَما أقَصِّر عن نَدى *** وَكَما عَلِمْتَ شمائلي وتكَرُّمِي

وجملة : { يقول أهلكت مالاً } في موضع الحال من { الإنسان } [ البلد : 4 ] . وذلك من الكبد .