وقوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فَرِهِينَ يقول تعالى ذكره : وتتخذون من الجبال بيوتا . فاختلفت القرّاء في قراءة قوله فارِهِينَ فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : فارِهِينَ بمعنى : حاذقين بنحتها . وقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : «فَرِهِينَ » بغير ألف ، بمعنى : أشرين بطرين .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى فارهين : حاذقين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وعبد الله بن شدّاد وتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ قال أحدهما : حاذقين ، وقال الاَخر : يتجبرون .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ قال : حاذقين بنحتها .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فارِهِينَ يقول : حاذقين .
وقال آخرون : معنى فارهين : مستفرهين متجبرين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن عبد الله بن شدّاد في قوله «فَرِهِينَ » قال : يتجبرون .
قال أبو جعفر : والصواب : فارهين .
وقال آخرون ممن قرأه فارهين : معنى ذلك : كَيّسين . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فاِرِهِينَ قال : كيّسين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ فارهِينَ قال : كيّسين .
وقال آخرون : فرهين : أشرين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ يقول : أشرين ، ويقال : كيسين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : «بُيُوتا فَرِهِينَ » قال : شرهين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بمثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أقوياء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فَرِهِينَ » قال : الفَرِه : القويّ . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، في قوله «فَرِهِينَ » قال : معجبين بصنيعكم .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قراءة من قرأها فارِهِينَ وقراءة من قرأ «فَرِهِينَ » قراءتان معروفتان ، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في علماء القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . ومعنى قراءة من قرأ فارِهِينَ : حاذقين بنحتها ، متخيرين لمواضع نحتها ، كيسين ، من الفراهة . ومعنى قراءة من قرأ «فَرِهِينَ » : مَرِحين أشرين . وقد يجوز أن يكون معنى فَارِه وفَرِه واحدا ، فيكون فاره مبنيا على بنائه ، وأصله من فعل يفعل ، ويكون فره صفة ، كما يقال : فلان حاذق بهذا الأمر وحَذِق . ومن الفاره بمعنى المرح قول الشاعر عديّ بن وادع العوفي من الأزد :
لا أسْتَكِينُ إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ *** وَلَنْ تَرَانِي بِخَيْرٍ فارِهَ الطّلَبِ
وقرأ الجمهور «تنحِتون » بكسر الحاء ، وقرأ عيسى بفتحها ، وذكر أنها لغة قال أبو عمرو وهي قراءة الحسن وأبي حيوة ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر «فارهين » وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «فرهين » ، وقرأ مجاهد «متفرهين » على وزن متفعلين ، واللفظة مأخوذة من الفراهة وهي جودة منظر الشيء وخبرته وقوته وكماله في نوعه فمعنى الآية كَيّسين متهممين قاله ابن عباس ، وقال مجاهد شرهين . وقال ابن زيد أقوياء وقال أبو عمرو بن العلاء آشرين بطرين ، وذهب عبد الله بن شداد إلى أنه بمعنى مستفرهين أي مبالغين في استحازة{[8960]} الفاره من كل ما تصنعونه وتشتهونه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} يعني: حاذقين بنحتها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فَرِهِينَ" يقول تعالى ذكره: وتتخذون من الجبال بيوتا. فاختلفت القرّاء في قراءة قوله "فارِهِينَ "فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: فارِهِينَ بمعنى: حاذقين بنحتها. وقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة: «فَرِهِينَ» بغير ألف، بمعنى: أشرين بطرين.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته؛ فقال بعضهم: معنى فارهين: حاذقين...
وقال آخرون: معنى فارهين: مستفرهين متجبرين...
وقال آخرون ممن قرأه فارهين: معنى ذلك: كَيّسين...
وقال آخرون: معنى ذلك: أقوياء... وقال آخرون في ذلك:... معجبين بصنيعكم.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأها فارِهِينَ وقراءة من قرأ «فَرِهِينَ» قراءتان معروفتان، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في علماء القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ومعنى قراءة من قرأ فارِهِينَ: حاذقين بنحتها، متخيرين لمواضع نحتها، كيسين، من الفراهة. ومعنى قراءة من قرأ «فَرِهِينَ»: مَرِحين أشرين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
«فارهين»... واللفظة مأخوذة من الفراهة وهي جودة منظر الشيء وخبرته وقوته وكماله في نوعه فمعنى الآية كَيّسين متهممين قاله ابن عباس، وقال مجاهد شرهين. وقال ابن زيد أقوياء وقال أبو عمرو بن العلاء آشرين بطرين، وذهب عبد الله بن شداد إلى أنه بمعنى مستفرهين أي مبالغين في استحازة 22 الفاره من كل ما تصنعونه وتشتهونه.
واعلم أن ظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم هود هو اللذات الحالية، وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر اللطيف من أحوالهم، أتبعه الكثيف من أفعالهم، فقال عطفاً على {أتتركون} أو مبيناً لحال الفاعل في {آمنين}: {وتنحتون} أي والحال أنكم تنحتون إظهاراً للقدرة {من الجبال بيوتاً فارهين} أي مظهرين النشاط والقوة، تعظيماً بذلك وبطراً، لا لحاجتكم إلى شيء من ذلك.
وحين تذهب إلى مدائن صالح تجد البيوت منحوتة في الجبال كما ينحتون الآن الأنفاق مثلا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ ينتقدهم على بيوتهم المرفهة المُحكمة فيقول: (وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين). «الفارِهُ» مشتق من (فره على وزن فَرِح) ومعناه في الأصل السرور المقرون باللامبالاة وعبادة الهوى... كما يستعمل في المهارة عند العمل أحياناً... ومع أن المعنيين ينسجمان مع الآية، إلاّ أنّه مع ملاحظة توبيخ نبيّهم صالح إيّاهم وملامته لهم فيبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب... ومن مجموع هذه الآيات وبمقايستها مع ما تقدم من الآيات في شأن عاد، يستفاد أن عاداً قوم هود كان أكثر اهتمامهم في حب الذات والمقام والمفاخرة على سواهم... في حين أن ثمود قوم صالح كانوا أسرى بطونهم والحياة المرفهة»... ويهتمون أكبر اهتمامهم بالتنعم، إلاّ أنّ عاقبة الجماعتين كانت واحدة، لأنّهم جعلوا دعوة الأنبياء التي تحررهم من سجن عبادة الذات للوصول إلى عبادة الله، جعلوها تحت أقدامهم، فنال كلٌّ منهم عقابه الصارم الوبيل.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.