جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسٗا فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي إِنّيَ أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } .

يقول تعالى ذكره : قال موسى : ربّ إني قتلت من قوم فرعون نفسا ، فأخاف إن أتيتهم فلم أبن عن نفسي بحجة أن يقتلون ، لأن في لساني عقدة ، ولا أبين معها ما أريد من الكلام . وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ، يقول : أحسن بيانا عما يريد أن يبينه فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يقول : عونا . يصدّقني : أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وأخِي هارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّي لِسانا ، فَأرْسِلْهُ مَعِي رِدْءا يُصَدّقُنِي : أي يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم ما لا يفهمون . وقيل : إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه ، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخبر ، كانت النفس إلى تصديقهما ، أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدقُنِيّ لأن الاثنين أحرى أن يصدّقا من واحد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِي قال عونا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله رِدْءا يُصَدّقُنِي : أي عونا .

وقال آخرون : معنى ذلك : كيما يصدقني . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس رِدْءا يُصَدّقُنِي يقول : كي يصدّقني .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِي يقول : كيما يصدّقني .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : رِدْءا يُصَدّقُنِي يقول : كيما يصدّقني . والردء في كلام العرب : هو العون ، يقال منه : قد أردأت فلانا على أمره : أي أكفيته وأعنته .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : يُصَدّقُنِي فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة : «رِدْءا يُصَدّقْنِي » بجزم يصدقني . وقرأ عاصم وحمزة : «يَصْدُقُنِي » برفعه ، فمن رفعه جعله صلة للردء ، بمعنى : فأرسله معي ردءا من صفته يصدّقني ومن جزمه جعله جوابا لقوله فأرسله ، فإنك إذا أرسلته صدّقني ، على وجه الخبر . والرفع في ذلك أحبّ القراءتين إليّ ، لأنه مسألة من موسى ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة .

وقوله : إنّي أخافُ أنْ يُكَذّبُونِ يقول : إني أخاف أن لا يصدقون على قولي لهم إني أرسلت إليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسٗا فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ} (33)