جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ} (92)

وقوله : فَرَاغَ إلى آلِهَتِهمْ يقول تعالى ذكره : فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا وأرى أن أصل ذلك من قولهم : راغ فلان عن فلان : إذا حاد عنه ، فيكون معناه إذا كان كذلك : فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم كما قال عديّ بن زيد :

حِينَ لا يَنْفَعُ الرّوَاغُ وَلا يَنْ *** فَعُ إلاّ المُصَادِقُ النّحْرِيرُ

يعني بقوله : «لا ينفع الرّواغ » : الحِياد . أما أهل التأويل فإنهم فسّروه بمعنى فمَال . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَرَاغَ إلى آلِهَتِهِم : أي فمال إلى آلهتهم ، قال : ذهب .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّيّ قوله : فَرَاغَ إلى آلِهَتِهِمْ قال : ذهب .

وقوله : فَقالَ ألاَ تأكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ هذا خبر من الله عن قيل إبراهيم للاَلهة وفي الكلام محذوف استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو : فقرّب إليها الطعام فلم يرها تأكل ، فقال لها : ألا تَأْكُلُونَ فلما لم يرها تأكل قال لها : مالكم لا تأكلون ، فلم يرها تنطق ، فقال لها : ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ مستهزئا بها ، وكذلك ذكر أنه فعل بها ، وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى قبلُ . وقال قتادة في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَقالَ ألاَ تَأْكُلونَ يستنطقهم مالَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ؟ .