جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ} (94)

وقوله : فأَقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفّونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ، وبعض قرّاء الكوفة : فأَقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفّونَ بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم : زَفّتِ النعامة ، وذلك أوّل عدوها ، وآخر مشيها ومنه قول الفرزدق :

وَجاءَ قَرِيعُ الشّوْلِ قَبْلِ إفالِهَا *** يَزِفّ وَجاءَتْ خَلْفَهُ وَهْي زُفّفُ

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : «يُزِفّونَ » بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف . وكان الفرّاء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زفَفْت ، ويقول : لعلّ قراءة من قرأه : «يَزِفّونَ » بضم الياء من قول العرب : أطْرَدتُ الرجل : أي صيرته طريدا ، وطردته : إذا أنت خسأته إذا قلت : اذهب عنا فيكون يزفون : أي جاؤوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحالة ، فتدخل الألف . كما تقول : أحمدت الرجل : إذا أظهرت حمده ، وهو محمد : إذا رأيت أمره إلى الحمد ، ولم تنشر حمده قال : وأنشدني المفضّل :

تَمَنّى حُصَيْنٌ أنْ يَسُودَ جِذاعَهُ *** فأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أذَلّ وأقْهَرا

فقال : أقْهَر ، وإنما هو قُهِر ، ولكنه أراد صار إلى حال قهر . وقرأ ذلك بعضهم : «يَزِفُونَ » بفتح الياء وتخفيف الفاء من وَزَفَ يَزِف . وذُكر عن الكسائي أنه لا يعرفها ، وقال الفرّاء : لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها . وذُكر عن مجاهد أنه كان يقول : الوَزْف : النّسَلان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلَيْهِ يَزِفّوزنَ قال : الوزيف : النّسَلان .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء وتشديد الفاء ، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب ، والذي عليه قراءة الفصحاء من القرّاء .

وقد اختف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معناه : فأقبل قوم إبراهيم إلى إبراهيم يَجْرُون . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فأقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفّونَ : فأقبلوا إليه يجرون .

وقال آخرون : أقبلوا إليه يَمْشُون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فأقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفّونَ قال : يَمْشُون .

وقال آخرون : معناه : فأقبلوا يستعجلون . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، عن أبيه فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفّونَ قال : يستعجلون ، قال : يَزِفّ : يستعجل .