التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

ونفذ موسى وهارون - عليهما السلام - أمر ربهما - عز وجل - فذهبا إلى فرعون ليبلغاه دعوة الحق ، وليأمراه بإخلاص العبادة لله - تعالى - .

وتحكى الآيات الكريمة بعد ذلم ما دار بين موسى وبين فرعون وقومه من محاورات ومجادلات ، انتهت بانتصار الحق ، وهلاك الباطل . . . . تحكى الآيات كل ذلك فتقول : { فَلَمَّا جَآءَهُم . . . } .

المراد بالآيات فى قوله - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَهُم موسى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } : العصا واليد . وجمعهما تعظيم لشأنهما ، ولاشتمال كل واحدة منهما على دلائل متعددة على صدق موسى - عليه السلام - فيما جاء به من عند ربه - تعالى - .

والمعنى : ووصل موسى إلى فرعون وقومه ، ليأمرهم بعبادة الله وحده ، فلما جاءهم بالمعجزات التى أيدناه بها ، والتى تدل على صدقه دلالة واضحة .

{ قَالُواْ } له على سبيل التبجح والعناد { مَا هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } أى : قالوا له : ما هذا الذى جئت به يا موسى إلا سحر أتيت به من عند نفسك .

ثم أكدوا قولهم الباطل هذا بآخر أشد منه بطلانا ، فقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { وَمَا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين } .

أى : وما سمعنا بهذا الذى جئتنا به يا موسى ، من الدعوة إلى عبادة الله وحده ومن إخبارك لنا بأنك نبى . . . ما سمعنا بشىء من هذا كائنا أو واقعا فى عهد آبائنا الأولين وقولهم هذا يدل على إعراضهم عه الحق ، وعكوفهم على ما ألفوه بدون تفكر أو تدبر

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

طوي ما بين نداء الله إياه وبين حضوره عند فرعون من الأحداث لعدم تعلق العبرة به . وأسند المجيء بالآيات إلى موسى عليه السلام وحده دون هارون لأنه الرسول الأصلي الذي تأتي المعجزات على يديه بخلاف قوله { فاذهبا بآياتنا } في سورة الشعراء ( 15 ) ، وقوله { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] إذ جعل تعلق الآيات بضميريها لأن معنى الملابسة معنى متسع فالمصاحب لصاحب الآيات هو ملابس له .

والآيات البينات هي خوارق العادات التي أظهرها ، أي جاءهم بها آية بعد آية في مواقع مختلفة ، قالوا عند كل آية { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } .

والمفترى : المكذوب . ومعنى كونها سحراً مكذوباً أنه مكذوب ادعاء أنه من عند الله وإخفاء كونه سحراً .

والإشارة في قوله { وما سمعنا بهذا } إلى ادعاء الرسالة من عند الله لأن ذلك هو الذي يسمع وأما الآيات فلا تسمع . فمرجع اسمي الإشارة مختلف ، أي ما سمعنا من يدعو آباءنا إلى مثل ما تدعو إليه فالكلام على حذف مضاف دل عليه حرف الظرفية ، أي في زمن آبائنا . وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين ، دليلاً على بطلانها وذلك آخر ملجأ يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات .