التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

وقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } معطوف على { اذكروا } والتسبيح : التنزيه . مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء . فالسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء . والبكرة : أول النهار . والأصيل : أخره .

أى : اكثروا - أيها المؤمنون - من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم ، ونزهوه - سبحانه - عن كل ما لا يليق به ، فى أول النهار وفى آخره .

وتخصيص الأمر بالتسبيح فى هذين الوقتين ، لبيان فضلهما ، ولمزيد الثواب فيهما ، وهذا لا يمنع أن التسبيح فى غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله - تعالى - .

- وأيضا - خص - سبحانه - التسبيح بالذكر مع دخوله فى عموم الذكر ، للتنبيه على مزيد فضله وشرفه . .

قال صاحب الكشاف : والتسبيح من جملة الذكر . وإنما اختصه - تعالى - من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ، ليبين فضله على سائر الأذكار ، لأنه معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلاً } أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله ، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولاً صلاتين في طرفي النهار ، والرواية بذلك ضعيفة ، والأصيل من العصر إلى الليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

والتسبيح : يجوز أن يراد به الصلوات النوافل فليس عطف { وسبحوه } على { اذكروا الله } من عطف الخاص على العام .

ويجوز أن يكون المأمور به من التسبيح قول : سبحان اللَّه ، فيكون عطف { وسبّحوه } على { اذكروا الله } من عطف الخاص على العام اهتماماً بالخاص لأن معنى التسبيح التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتمجيد ، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حقّ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون في معنى قوله تعالى : { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } [ النور : 16 ] فإن كلمة : سبحان الله ، يكثر أن تقال في مقام التبرُّؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي صلى الله عليه وسلم « سُبحان الله المُؤمن لا ينجس » . وقول هند بنت عتبة حين أخذ على النساء البيعة « أن لا يَزْنين » : سبحان الله أتزني الحرّة .

والبُكرة : أول النهار . والأصيل : العشيّ الوقت الذي بعد العصر . وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان { اذكروا الله . . وسبحوه } .

والمقصود من البُكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المُكْنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية عن استيعابه كقول طرفة :

لكَالِطّوَل المرخَى وثِنياه باليد

ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلّها ، والرأسُ والعقب كناية عن الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك .

وقدّم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة . وليس الأصيل جديداً بالتقديم في الذكر كما قُدم لفظ { تمسون } في قوله في سورة الروم { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } [ الروم : 17 ] لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ { تمسون } هنالك رعّياً لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإِسلام وليست كذلك كلمة الأصيل .