التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا} (41)

ثم جاءت الآيات الكريمة بعد ذلك لتؤكد هذا المعنى وتقرره ، فأمرت المؤمنين بالإِكثار من ذكر الله - تعالى - ومن تسبيحه وتحميده وتكبيره - فقال - سبحانه - : { ياأيها الذين آمَنُواْ . . . لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } .

والمقصود بذكر الله - تعالى - فى قوله : { ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً } ما يشمل التهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك من القوال والأفعال التى ترضيه - عز وجل - .

أى : يا من آمنتم بالله حق الإِيمان اكثروا من التقرب إلى الله - تعالى - بما يرضيه ، فى كل أوقاتكم وأحوالكم ، فإن ذكر الله - تعالى - هو رطب النفوس ودواؤها ، وهو عافية الأبدان وشفاؤها ، به تطمئن القلوب ، وتنشرح الصدور . .

والتعبير بقوله : { اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً } يشعر بأن من شأن المؤمن الصادق فى إيمانه ، أن يواظب على هذه الطاعة مواظبة تامة .

ومن الأحاديث التى وردت فى الض على الإِكثار من ذكر الله ، ما رواه الإِمام أحمد عن أبى الدرداء . . رضى الله عنه . . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها فى درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِقِ - أى : الفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ، قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله - عز وجل - " .

وعن عمرو بن قيس قال : " سمعت عبد الله بن بسر يقول : جاء اعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، أى الناس خير ؟ قال : " من طال عمره وحسن عمله " .

وقال الآخر : يا رسول الله ، إن شرائع الإِسلام قد كثرت علينا ، فمرنى بأمر أتشبت به . قال : " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله " " .

وقال ابن عباس : لم يفرض الله - تعالى - فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها فى حال العذر ، غير الذكر ، فإن الله - تعالى - لم يجعل له حدا ينتهى إليه ، ولم يعذر أحداً فى تركه إلا مغلوبا على عقله ، وأمرهم به فى الأحوال كلها . فقال - تعالى - : { الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ . . . } وقال - سبحانه - : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ . . } أى : بالليل وبالنهار ، فى البر والبحر ، وفى السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا} (41)

ثم أمر تعالى عباده بأن يذكروه { ذكراً كثيراً } ، وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقدير لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه ، قال ابن عباس لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله ، وقال الكثير أن لا تنساه أبداً ، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون »{[9532]} .


[9532]:أخرجه أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم وصححه.(الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا} (41)

إقبال على مخاطبة المؤمنين بأن يشغلوا ألسنتهم بذكر الله وتسبيحه ، أي أن يمسكوا عن مماراة المنافقين أو عن سبّهم فيما يُرجفون به في قضية تزوج زينب فأمر المؤمنين أن يعتاضوا عن ذلك بذكر الله وتسبيحه خيراً لهم ، وهذا كقوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } [ البقرة : 200 ] ، أي خير من التفاخر بذكر آبائكم وأحسابكم ، فذلك أنفع لهم وأبعد عن أن تثور بين المسلمين والمنافقين ثائرة فتنة في المدينة ، فهذا من نحو قوله لنبيّئه { ودَعْ أذاهم } [ الأحزاب : 48 ] ومن نحو قوله : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم } [ الأنعام : 108 ] ، فأمروا بتشغيل ألسنتهم وأوقاتهم بما يعود بنفعهم وتجنب ما عسى أن يوقع في مضرة .

وفيه تسجيل على المنافقين بأن خوضهم في ذلك بعد هذه الآية علامة على النفاق لأن المؤمنين لا يخالفون أمر ربهم .

والجملة استئناف ابتدائي متصل بما قبله للمناسبة التي أشرنا إليها .

والذكر : ذكر اللسان وهو المناسب لموقع الآية بما قبلها وبعدها .