التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (75)

فرد عليهم إخوة يوسف ببيان حكم هذا السارق في شريعتهم بقولهم : { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كذلك نَجْزِي الظالمين } .

والمراد بالجزاء : العقاب الذي يعاقب به السارق في شريعتهم ، والضمير في قوله { جزاءه } يعود إلى السارق .

أى : قال إخوة يوسف : جزاء السارق الذي يوجد صواع المكل في رحله ومتاعه أن يسترق لمدة سنة ، هذا هو جزاؤه في شريعتنا .

قال الشوكانى ما ملخصه : وقوله : { جزاؤه } مبتدأ ، وقوله { مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } خبر المبتدأ .

والتقدير : جزاء السرقة للصواع أخذ من وجد في رحله - أى استرقاقه لمدة سنة - وتكون جملة { فَهُوَ جَزَاؤُهُ } لتأكيد الجملة الأولى وتقريرها . قال الزجاج وقوله { فَهُوَ جَزَاؤُهُ } زيادة في البيان . " أى : جزاؤه أخذ السارق فهو جزاؤه لا غيره " .

وقالوا { جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } ولم يقولوا جزاء السارق أو جزاء سرقته ، للإِشارة إلى كمال نزاهتهم ، وبراءة ساحتهم من السرقة ، حتى لكأن ألسنتهم لا تطاوعهم بأن ينطقوا بها في هذا المقام .

وقوله : { كذلك نَجْزِي الظالمين } مؤكد لما قبله ، أى مثل هذا الجزاء العادل ، وهو الاسترقاق لمدة سنة ، نجازى الظالمين الذين يعتدون على أموال غيرهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (75)

فقال إخوة يوسف : جزاء السارق والحكم الذي تتضمنه هذه الألفاظ { من وجد في رحله فهو جزاؤه } ف { جزاؤه } الأول مبتدأ و { من } والجملة خبر قوله : { جزاؤه } الأول ، والضمير في { قالوا جزاؤه } للسارق{[6757]} ، ويصح أن تكون { من } خبراً عائدا على { من } ويكون قوله : { فهو جزاؤه } زياد بيان وتأكيد .

وليس هذا الموضع - عندي - من مواضع إبراز الضمير على ما ذهب إليه بعض المفسرين ، ويحتمل أن يكون التقدير : جزاؤه استرقاق من وجد في رحله ، ثم يؤكد بقوله { فهو جزاؤه }{[6758]} وقولهم هذا قول من لم يسترب بنفسه ، لأنهم التزموا إرغام من وجد في رحله ، وهذا أكثر من موجب شرعهم ، إذ حق شرعهم أن لا يؤخذ إلا من صحت سرقته ، وأمر بنيامين في السقاية كان محتملاً . لكنهم التزموا أن من وجد في رحله فهو مأخوذ على أنه سارق . وقولهم { كذلك نجزي الظالمين } ، أي هذه سنتنا وديننا في أهل السرقة : أن يتملك السارق كما تملك هو الشيء المسروق .

قال القاضي أبو محمد : وحكى بعض الناس : أن هذا الحكم كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقطع ، وهذا ضعيف ، ما كان قط فيما علمت ، وحكى الزهراوي عن السدي : أن حكمهم إنما كان أن يستخدم السارق على قدر سرقته وهذا يضعفه رجوع الصواع فكان ينبغي ألا يؤخذ بنيامين إذ لم يبق فيما يخدم .


[6757]:من رأي صاحب "البحر المحيط" أن هذا الإعراب لا يصح لخلو جملة الجواب من رابط يربطها بالمبتدأ.
[6758]:ذكر ابن عطية هنا إعرابين آخرين للجملة. الأول في قوله: "ويصح أن يكون [من] خبرا على أن المعنى: جزاء السارق من وجد في رحله، والضمير في [رحله] عائد على [من]، وقوله: {فهو جزاؤه} زيادة بيان وتأكيد. والثاني هو قوله: ويحتمل أن يكون التقدير: جزاؤه استرقاق من وجد في رحله... الخ. وقد علق أبو حيان على الإعراب الثاني بقوله: "وهذا القول هو الذي قبله غير أنه أبرز المضاف المحذوف في قوله: (استرقاق من وجد في رحله)، وفيما قبله لابد من تقديره، لأن الذات لا تكون خبرا عن المصدر، فالتقدير في الذي قبله: جزاؤه أخذ من وجد في رحله، أو استرقاق من وجد في رحله، فهذا لابد منه على هذا الإعراب". ومعنى هذا أن القولين قول واحد. وفي رأي أبي حيان أن هذا الوجه الأخير في الإعراب هو أحسن الوجوه وأبعدها من التكلف.