التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ} (82)

ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر حضارتهم وتحصنهم في بيوتهم المنحوتة في الجبال فقال - تعالى - { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ } .

وينحتون : من النحت وهو برى الحجر من وسطه أو جوانبه ، لإِعداده للبناء أو للسكن أى : وكانوا لقوتهم وغناهم يتخذون لأنفسهم بيوتا في بطون الجبال وهم آمنون مطمئنون ، أو يقطعون الصخر منها ليتخذوه بيوتًا لهم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ } أى : حاذقين في نحتها . وقوله - تعالى - { واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً } قال ابن كثير : ذكر - تعالى - أنهم { كَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ } أى : من غير خوف ولا احتياج إليها ، بل بطرا وعبثا ، " كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر ، الذي مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك فقنع رأسه - أى غطاها بثوبه - وأسرع دابته ، وقال لأصحابه : " لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم " " .

ولكن ماذا كانت نتيجة هذه القوة الغاشمة ، والثراء الذي ليس معه شكر لله –تعالى- والإصرار على الكفر والتكذيب لرسل الله –تعالى- والإعراض عن الحق . . . ؟

لقد بين القرآن عاقبة ذلك فقال : { فأخذتهم الصيحة مصبحين ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ} (82)

{ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين } من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها ، أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ} (82)

جملة { وكانوا ينحتون } معترضة . والنّحتُ : بَرْي الحجر أوالعود من وسطه أو من جوانبه .

و { من الجبال } تبعيض متعلق ب { ينحتون } . والمعنى من صخر الجبال ، لما دلّ عليه فعل { ينحتون } .

و { آمنين } حال من ضمير { ينحتون } وهي حال مقدرة ، أي مقدرين أن يكونوا آمنين عقب نحتها وسكناها . وكانت لهم بمنزلة الحصون لا ينالهم فيها العدو .

ولكنهم نسوا أنها لا تأمنهم من عذاب الله فلذلك قال : { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } .