التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (27)

ثم كرر - سبحانه - مدحه للقرآن الكريم ، بأن بين أنه مشتمل على كل مثل نافع للناس ، وأنه لا لبس فيه ولا اختلاف ، وساق مثلا للمشرك الذى يعبد آلهة كثيرة ، وللمؤمن الذى يبعد إلها واحدا ، وبين أن جميع الناس سيعمهم الموت . وأنهم جميعا سيرجعون إلى الله للحساب ، فقال - تعالى - :

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن . . . } .

اللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ . . . } موطئة للقسم .

أى : والله لقد ضربنا وكررنا بأساليب متنوعة فى هذا القرآن العظيم ، من كل مثل يحتاج إليه الناس فى أمورهم وشئونهم ، وينتفعون به فى دنياهم ودينهم .

وقوله - تعالى - : { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } تعليل لضرب المثل . أى فعلنا ذلك فى كتابنا الذى هو أحسن الحديث ، كى يتعظوا ويتذكروا ما أمرناهم به ، أو نهيناهم عنه .

فلعل هنا بمعنى كى التعليلية ، وهذا التعليل إنما هو بالنسبة إلى غيره - تعالى - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (27)

يقول تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } أي : بينا للناس فيه بضرب الأمثال ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، فإن المثل يُقَرّب المعنى إلى الأذهان ، كما قال تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ } [ الروم : 28 ] أي : تعلمونه من أنفسكم ، وقال : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (27)

عطف على جملة { الله نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ } إلى قوله : { فَما لهُ مِن هَادٍ } [ الزمر : 23 ] ، تتمة للتنويه بالقرآن وإرشاده ، وللتعريض بتسفيه أحلام الذين كذّبوا به وأعرضوا عن الاهتداء بهديه . وتأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق منظور فيه إلى حال الفريق الذين لم يتدبروا القرآن وطعنوا فيه وأنكروا أنه من عند الله .

والتعريف في { الناس } للاستغراق ، أي لجميع الناس ، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة .

وضَرْب المثل : ذِكره ووصفُه ، وقد تقدم في قوله تعالى : { إن اللَّه لا يستحيِّ أن يضرب مثلاً } في سورة [ البقرة : 26 ] . وتنوين { مَثَلٍ } للتعظيم والشرف ، أي من كل أشرف الأمثال ، فالمعنى : ذكرنا للناس في القرآن أمثالاً هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها . والمراد : شرف نفعها .

وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله ، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة . وتقدم هذا عند قوله تعالى : { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } في سورة [ الإِسراء : 89 ] ، وتقدم في قوله : { ولقَد ضَرَبنا للنَّاسِ في هذَا القُرْآنِ مِن كل مَثَلٍ } في سورة [ الروم : 58 ] .

ومعنى الرجاء في { لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ } منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر ، وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن ، وتقدم في سورة البقرة .

ومعنى التذكر : التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَاففِ الأمور ، وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه ، فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص .

وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلاً صافياً ونفساً مجردة عن المكابرة فتذكر به المؤمنون به من قبل ، وتذكّر به من كان التذكّر به سبباً في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء ، وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم . وكذلك معنى قوله : { لعلَّهُم يتَّقُونَ } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد ضربنا} يعني وضعنا {للناس في هذا القرءان من كل مثل} من كل شبه.

{لعلهم يتذكرون} يعني كي يؤمنوا به.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد مثّلنا لهؤلاء المشركين بالله من كلّ مثل من أمثال القرون للأمم الخالية، تخويفا منّا لهم وتحذيرا، "لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ "يقول: ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

بيّنا للناس في هذا القرآن من كل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، أخبرهم مالهم وما عليهم وما لبعضهم على بعض وأمثاله.

{لعلهم يتذكّرون} هذا يحتمل وجهين: أحدهما: لكي يلزمهم التذكّر والاتعاظ. والثاني: لكي يبلّغهم ما يتذكّرون، ويتّعظون...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالتذكر: طلب الذكر بالفكر، وهذا حث على طلب الذكر المؤدي إلى العلم، والمعنى لكي يتذكروا، ويتعظوا فيجتنبوا ما فعل من تقدم من الكفر والمعاصي، لئلا يحل بهم كما حل بأولئك...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فلما ذكر الله تعالى هذه الفوائد المتكاثرة والنفائس المتوافرة في هذه المطالب، بين تعالى أنه بلغت هذه البيانات إلى حد الكمال والتمام فقال: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولقد ضربنا} على ما لنا من العظمة.

{للناس} أي عامة لأن رسالة رسولكم عامة.

{في هذا القرآن} أي الجامع لكل علم.

ولما كانت كلماته سبحانه لا تنفد وعجائبه لا تعد ولا تحد، وكان في سياق التعجيب من توقفهم قال {من كل مثل} أي يكفي ضربه في البيان لإقامة الحجة البالغة، ثم بين علة الضرب بقوله: {لعلهم يتذكرون} أي ليكون حالهم بعد ضربه حال من يرجى تذكره بما ضرب له ما يعرفه في الكون في نفسه أو في الآفاق تذكراً واضحاً مكشوفاً -بما أرشد إليه الإظهار، فيتعظ لما في تلك الامثال المسوقة في أحسن المقال، المنسوقة بما يلائمها من الأوضاع والأشكال، من البيان وأوضح البرهان...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وضَرْب المثل: ذِكره ووصفُه، وتنوين {مَثَلٍ} للتعظيم والشرف، أي من كل أشرف الأمثال، فالمعنى: ذكرنا للناس في القرآن أمثالاً هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها، والمراد: شرف نفعها، وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة، ومعنى الرجاء في {لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ} منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر، وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن.

ومعنى التذكر: التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَافِ الأمور، وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل، حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه، فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص، وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلاً صافياً ونفساً مجردة عن المكابرة، فتذكر به المؤمنون به من قبل، وتذكّر به من كان التذكّر به سبباً في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء، وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم، وكذلك معنى قوله: {لعلَّهُم يتَّقُونَ}...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا..} الضرب قلنا: هو إيقاع شيء فوق شيء بقوة وشدة ليحدث فيه أثراً، ومن ذلك الضرب في الأرض أي: حرثها والاعتناء بها لتعطيك من خيرها، وضَرْب المثل يكون لأنه في ظاهره غريب، فنقول لك: لا تستغربه فهو مثل كذا وكذا فيتضح المقال ويزول الاستغراب، والمثَل يشبه المختلف فيه بالمتفق عليه...

ومادة مثل في القرآن الكريم وردتْ إحدى وأربعين مرة بلفظ مثل، واثنتين وعشرين مرة بلفظ مثلاً، وثلاث مرات بلفظ مثلهم. وقوله تعالى: {مِن كُلِّ مَثَلٍ..} يفيد العموم، يعني: لوَّنا لهم الأمثال لنُبين لهم قواعد الدين بما يشاهدونه من الماديات {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يعني: يتأملون هذه الأمثال، ويضعون كل مثَل مقابل مثاله، وليأخذوا من المشاهد دليلاً على ما غاب، ومن المتفق عليه دليلاً على المختلف فيه.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في البداية تحدّث عن مسألة شمولية القرآن، إذ تقول الآية الكريمة: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل) حيث تمّ فيه شرح قصص الطغاة والمتمردين الرهيبة، وعواقب الذنوب الوخيمة، ونصائح ومواعظ، وأسرار الخلق ونظامه، وأحكام وقوانين متينة، وبكلمة أنّه وضح فيه كلّ ما هو ضروري لهداية الإنسان على شكل أمثال، لعلهم يتذكرون ويعودون من طريق الضلال إلى الصراط المستقيم (لعلهم يتذكرون).

وممّا يذكر أنّ «المثل» في اللغة العربية هو الكلام الذي يجسّم الحقيقة، أو يصف الشيء، أو يشبه الشيء بشيء آخر، وهذه العبارة شملت كلّ حقائق ومواضيع القرآن، وبيّنت شموليته...