التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (70)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات بتأكيد علمه بكل شىء قال : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء والأرض . . } .

أى : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - وتيقنت ، أن الله - تعالى - لا يعزب عن علمه مثقال ذرة مما يحصل فى السموات والأرض من أقوال أو أفعال .

{ إِنَّ ذلك } الذى يجرى فى السموات والأرض كائن وثابت { فِي كِتَابٍ } هو اللوح المحفوظ المشتمل على جميع أحوال الخلق .

{ إِنَّ ذلك } الذى ذكرناه لك من الحكم بين الناس ، ومن العلم بأحوالهم ومن تسجيل أعمالهم { عَلَى الله } - تعالى - { يَسِيرٌ } وهين ، لأنه - سبحانه - له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (70)

يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه ، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها ، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ ، كما ثبت في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " {[20412]} .

وفي السنن ، من حديث جماعة من الصحابة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما خلق الله القلم ، قال له : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن . فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " {[20413]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا ابن بُكَيْر ، حدثني ابن لَهِيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، حدثني سعيد بن جُبَيْر قال : قال ابن عباس : خلق الله اللوح المحفوظ مَسِيرَة مائة عام ، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق - وهو على العرش تبارك وتعالى - : اكتب . قال القلم : وما أكتب ؟ قال : علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة . فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة . فذلك قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ }

وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الأشياء قبل كونها ، وقدرها وكتبها أيضًا ، فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك ، على الوجه الذي يفعلونه ، فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره ، وهذا يعصي باختياره ، وكتب ذلك عنده ، وأحاط بكل شيء علما ، وهو سهل عليه ، يسير لديه ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }


[20412]:- صحيح مسلم برقم (2653) بلفظ "كتب الله مقادير الخلائق".
[20413]:- جاء من حديث عبادة بن الصامت : أخرجه أبو داود في السنن برقم (4700) والترمذي في السنن برقم (3319) وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". وجاء من حديث ابن عباس : رواه البيهقي في الأسماء والصفات (ص 378).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (70)

استئناف لزيادة تحقيق التأييد الذي تضمنه قوله { الله يحكم بينكم يوم القيامة } [ الحج : 69 ] ، أي فهو لا يفوته شيء من أعمالكم فيجازي كلاً على حساب عمله ، فالكلام كناية عن جزاء كل بما يليق به .

و { ما في السماء والأرض } يشمل ما يعمله المشركون وما كانوا يخالفون فيه .

والاستفهام إنكاري أو تقريري ، أي أنك تعلم ذلك ، وهذا الكلام كناية عن التسلية أي فلا تضق صدراً مما تلاقيه منهم .

وجملة { إن ذلك في كتاب } بيان للجملة قبلها ، أي يعلم ما في السماء والأرض علماً مفصلاً لا يختلف ، لأنّ شأن الكتاب أن لا تتطرق إليه الزيادة والنُقصان .

واسم الإشارة إلى العمل في قوله { الله أعلم بما تعملون } أو إلى ( مَا ) في قوله : { ما كنتم فيه تختلفون } [ الحج : 69 ] .

والكتاب هو ما به حفظ جميع الأعمال : إما على تشبيه تمام الحفظ بالكتابة ، وإما على الحقيقة ، وهو جائز أن يجعل الله لذلك كتاباً لائقاً بالمغيبات .

وجملة { إن ذلك على الله يسير } بيان لمضمون الاستفهام من الكتابة عن الجزاء .

واسم الإشارة عائد إلى مضمون الاستفهام من الكناية فتأويله بالمذكور . ولك أن تجعلها بياناً لجملة { يعلم ما في السماء والأرض } واسم الإشارة عائد إلى العلم المأخوذ من فعل { يعلم ، } أي أن علم الله بما في السماء والأرض لله حاصل دون اكتساب ، لأن علمه ذاتي لا يحتاج إلى مطالعة وبحث .

وتقديم المجرور على متعلّقه وهو { يسير } للاهتمام بذكره للدلالة على إمكانة في جانب علم الله تعالى .