التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي} (41)

ثم حكى - سبحانه - المنة الثامنة : فقال : { واصطنعتك لِنَفْسِي } أى : وجعلتك محل صنيعتى وإحسانى ، حيث اخترتك واصطفيتك لحمل رسالتى وتبليغها إلى فرعون وقومه ، وإلى قومك بنى إسرائيل .

فالآية الكريمة تكريم عظيم لموسى - عليه السلام - اختاره الله - تعالى - واجتباه من بين خلقه لحمل رسالته إلى فرعون وبنى إسرائيل .

هذه ثمانى منن ساقها الله - تعالى - هنا مجملة ، وقد ساقها - سبحانه - فى سورة القصص بصورة أكثر تفصيلا ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي} (41)

وقوله : { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } أي : اصطفيتك واجتبيتك رَسُولا لنفسي ، أي : كما أريد وأشاء .

وقال البخاري عند تفسيرها : حدثنا الصَّلْتُ بن محمد ، حدثنا مهديّ بن ميمون ، حدثنا محمد ابن سِيرين عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التقى آدم وموسى ، فقال موسى : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة ؟ فقال آدم : وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه ، وأنزل عليك التوراة ؟ قال : نعم . قال : فوجدتَه قد كتب عَليّ قبل أن يخلقني ؟ قال : نعم . فحَجّ آدم موسى " أخرجاه{[19366]} .


[19366]:صحيح البخاري برقم (4736).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي} (41)

{ واصطنعتك } معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان ، وقوله { لنفسي } إضافة تشريف ، وهكذا كما تقول بيت الله ونحوه والصيام لي وأنا أجزي به{[8109]} وعبر ب «النفس » عن شدة القرب وقوة الاختصاص .


[8109]:هذا جزء من حديث متفق عليه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي} (41)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

" وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي "أنعمت عليك يا موسى هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك، واختيارا لرسالتي والبلاغ عني، والقيام بأمري ونهيي.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

... استخلصتُكَ لي حتى لا تَصْلُحَ لأحدٍ غيري، ولا يَتَأَتَّى شيءٌ منك غير تبليغ رسالتي، وما هو مرادي منك...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{واصطنعتك لِنَفْسِي}؛ هذا تمثيل لما خوّله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم. مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه وخصائص، أهلاً لئلا يكون أحد أقرب منزلة منه إليه، ولا ألطف محلاً، فيصطنعه بالكرامة والأثرة، ويستخلصه لنفسه، ولا يبصر ولا يسمع إلا بعينه وأذنه، ولا يأتمن على مكنون سره إلا سواء ضميره.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} أي: اصطفيتك واختصصتك، والاصطناع: اتخاذ الصنيعة، وهو الخير تسديه إلى إنسان.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

{لِنَفْسِي} إضَافة تَشْرِيف وهذا كما تقولُ: بيتُ اللَّهِ، ونحوه: «والصِّيَامُ لِي» وعبَّر بالنَّفْسِ عن شِدَّة القرب وقوة الاخْتِصَاص.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

واصطنعتك} أي ربيتك بصنائع المعروف تربية من يتكلف تكوين المربى على طريقة من الطرائق {لنفسي} أي لتفعل من مرضاتي في تمهيد شرائعي وإنفاذ أوامري ما يفعله من يصنع للنفس من غير مشارك، فهو تمثيل لما حوله من منزلة التقريب والتكريم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(واصطنعتك لنفسي) خالصا مستخلصا ممحضا لي ولرسالتي ودعوتي.. ليس بك شيء من هذه الدنيا ولا لهذه الدنيا. إنما أنت للمهمة التي صنعتك على عيني لها واصطنعتك لتؤديها. فما لك في نفسك شيء. وما لأهلك منك شيء، وما لأحد فيك شيء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

من هنا ختم الامتنان بما هو الفذلكة، وذلك جملة {واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} الذي هو بمنزلة ردّ العجز على الصدر على قوله {ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك...}، وهو تخلص بديع إلى الغرض المقصود وهو الخطاب بأعمال الرسالة المبتدأ من قوله: {وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى} [طه: 13] ومن قوله: {اذهب إلى فرعون إنّه طغى} [طه: 24].

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وقد حاول العلماء إحصاء المطالب التي طلبها موسى عليه السلام من ربه فوجدوها ثمانية: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)} (طه). ثم وجدوا أن الله تعالى أعطاه ثمانية أخرى دون سؤال منه: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)}. (طه). فإن كان موسى عليه السلام قد طلب من ربه ثمانية مطالب فقد أعطاه ربه عز وجل ثمانية أخرى دون أن يسألها موسى، ليجمع له بين العطاء بالسؤال، والعطاء تكرما من غير سؤال، لأنك إن سألت الله فأعطاك دل ذلك على قدرته تعالى في إجابة طلبك، لكن إن أعطاك بدون سؤال منك دل ذلك على محبته لك.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

فمن أجل مهمّة تلقي الوحي الصعبة، ومن أجل قبول الرسالة، ومن أجل هداية العباد وإِرشادهم ربّيتك واختبرتك في الحوادث الصعبة ومشاقّها، ومنحتك القوة والقدرة، والآن حيث ألقيت هذه المهمّة الكبرى على عاتقك، فإِنك مؤهل من جميع الجوانب...

ويعني إنّني قد اصلحتك من كل الجهات وكأنني أريدك لي وهذا الكلام هو أكثر ما يمكن أن يقال في تصوير محبّة الله لهذا النّبي العظيم.