التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (57)

ثم ذكر - سبحانه - مقالة أخرى مما تقوله تلك النفس فقال : { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي } إلى طاعته واتباع دينه { لَكُنتُ مِنَ المتقين } للشرك والمعاصى ، ومن الذين صانوا أنفسهم عما يغضبه - سبحانه - ولا يرضيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (57)

{ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } أي : تود أن لو{[25230]} أعيدت إلى الدار فتحسن{[25231]} العمل .

قال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه{[25232]} ، ما العباد قائلون قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه{[25233]} ، وقال : { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } فأخبر الله تعالى : أن لو رُدوا لما قدروا على الهدى ، وقال تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] .

وقد قال{[25234]} الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ؟ ! فتكون عليه حسرة » . قال : «وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ! » قال : «فيكون له الشكر » .

ورواه النسائي من حديث أبي بكر بن عياش ، به{[25235]} .


[25230]:- في ت: "أن لو أن".
[25231]:- في أ: "لتحسن".
[25232]:- في أ: "أخبرنا الله تعالى".
[25233]:- في ت ، س: "وعلمهم قبل أن يعلموه".
[25234]:- في ت: "روى".
[25235]:- المسند (2/512).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (57)

وقوله : { أو تقول } في الموضعين عطف على قوله : { أن تقول } الأول . و : { كرة } مصدر من كر يكر . وقوله : { فأكون } نصب بأن مضمرة مقدرة ، وهو عطف على قول : { كرة } والمراد : لو أن لي كرة فكونا ، فلذلك احتيج إلى : ليكون مع الفعل بتأويل المصدر ، ونحوه قول الشاعر أنشده الفراء : [ الطويل ]

فما لك منها غير ذكرى وحسبة . . . وتسأل عن ركبانها أين يمموا ؟{[9920]}


[9920]:هذا البيت من شواهد الفراء في (معاني)، قال: إن النصب في قوله تعالى:[فأكون] جواب للو، وإن شئت جعلته مردودا على تأويل(أن) تضمرها في "الكرة"، كما تقول: لو أن لي أن أكر فأكون، ...ثم قال: وأنشدني: فما لك...البيت". والشاهد فيه قوله:و(تسأل)؛ إذ يجوز فيه النصب بتقدير(أن)، ليعطف على(ذكرى) لأنها اسم،و(تسأل) فعل، فإذا ما قدرنا(أن) صارت هي والفعل بعدها اسما فجاز عطفه على الاسم قبله، فيصبح تقدير الكلام: فما لك منها غير الذكرى والسؤال، وهو في هذا كالبيت المشهور الذي قالته ميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبي سفيان: للبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف هذا، وقد روي بيتنا هنا:و(حِسبة) بدلا من (خشية)، وروي أيضا:(وحسرة)، على أنه يجوز هنا في البيت و (تسأل) بالرفع-لأنه لم تسبقه(أن) الناصبة.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (57)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس وأسلموا له، أن لا تقول نفس يوم القيامة: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله، وأن لا تقول نفس أخرى: لو أن الله هداني للحقّ، فوفقني للرشاد لكنت ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَوْ أَنَّ الله هداني} لا يخلو: إما أن يريد به الهداية بالإلجاء أو بالإلطاف أو بالوحي: فالإلجاء خارج عن الحكمة، ولم يكن من أهل الإلطاف فليلطف به، وأما الوحي فقد كان، ولكنه عرض ولن يتبعه حتى يهتدي، وإنما يقول هذا تحيراً في أمره وتعللاً بما لا يجدي عليه، كما حكى عنهم التعلل بإغواء الرؤوساء والشياطين ونحو ذلك، ونحوه {لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} [إبراهيم: 21]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كانت النفس إذا وقعت في ورطة لا تدع وجهاً محتملاً حتى تتعلق بأذياله، وتمت بحباله وتفتر بمحاله، قال حاكياً كذبها حيث لا يغني إلا الصدق: {أو تقول} أي عند نزول ما لا قبل لها به.

{لو أن} وأظهر ولم يضمر إظهاراً للتعظيم وتلذذاً بذكر الاسم الشريف فقال: {الله} أي الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل.

{هداني} أي ببيان الطريق {لكنت} أي ملازماً ملازمة المطبوع على كوني.

{من المتقين} أي الذي لا يقدمون على فعل ما لم يدلهم عليه دليل...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

" لو "في هذا الموضع للتمني، أي: ليت أن اللّه هداني فأكون متقيا له، فأسلم من العقاب وأستحق الثواب، وليست "لو "هنا شرطية؛ لأنها لو كانت شرطية، لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم، وهو حجة باطلة، ويوم القيامة تضمحل كل حجة باطلة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أو تقول إن الله كتب عليَّ الضلال ولو كتب عليَّ الهدى لاهتديت واتقيت: (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين)..

وهي علالة لا أصل لها. فالفرصة ها هي ذي سانحة، ووسائل الهدى ما تزال حاضرة. وباب التوبة ها هو ذا مفتوح!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إنهم يقولونه لقصد الاعتذار والتنصل، تعيد أذهانهم ما اعتادوا الاعتذار به للنبيء صلى الله عليه وسلم كما حكَى الله عنهم: {وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم}

[الزخرف: 20] وهم كانوا يقولونه لقصد إفحام النبي حين يدعوهم، فبَقيَ ذلك التفكير عالقاً بعقولهم حين يُحضرون للحساب...