التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

ولكن حلم إبراهيم وإنابته . . . لم يرد قضاء الله العادل فى شأن قوم لوط ولذا قالت الملائكة له - كما حكى القرآن عنهم - : { ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } .

أى : قالت الملائكة لإِبراهيم : { ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذآ } الجدال فى أمر قوم لوط ، وفى طلب إمهال عقوبتهم { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ } بإهلاكهم { وإنهم } بسبب إصرارهم على ارتكاب الفواحش { آتِيهِمْ } من ربهم { عَذَابٌ } شديد { غَيْرُ مَرْدُودٍ } عنهم لا بسبب الجدال ولا بأى سبب سواه ، فإن قضاء الله لا يرد عن القوم المجرمين . هذا ، وقد ذكر الشيخ القاسمى بعض الفوائد والأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآيات فقال : قال بعض المفسرين : لهذه الآيات ثمرات وفوائد .

منها : أن حصول الولد المخصص بالفضل نعمة ، وأن هلاك العاصى نعمة - أيضاً - لأن البشرى قد فسرت بولادة إسحاق لقوله { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } وفسرت بهلاك قوم لوط ، لقوله : { قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ } .

ومنها : استحباب نزول المبشر - بالكسر - على المبشر - بالفتح - لأن الملائكة أرسلهم الله - تعالى - لذلك .

ومنها : أنه يستحب للمبشر أن يتلقى البشارة بالشكر لله - تعالى - على ما بشر به . فقد حكى عن الأصم أنه قال : جاؤوه فى أرض يعمل فيها ، فلما فرغ غرز مسحاته ، وصلى ركعتين .

ومنها : أن السلام مشروع ، وأنه ينبغى أن يكون الرد أفضل لقول إبراهيم { سلام } بالرفع وهو أدل على الثبات والدوام .

ومنها : مشروعية الضيافة ، والمبادرة إليها ، واستحباب مبادرة الضيف بالأكل منها .

ومنها : استحباب خدمة الضيف ولو للمرأة ، لقول مجاهد : وامرأته قائمة ؛ أى فى خدمة أضياف إبراهيم . . . وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق .

ومنها : جواز مراجعة الأجانب فى القول ، وأن صوتها ليس بعورة .

ومنها : أن امرأة الرجل من أهل بيته - فيكون أزواجه - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته .

ومنها : - كما يقول الإِمام ابن كثير - استدل على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق ، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق ، لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ، ووعد الله حق لا خلف فيه ، فيمتنع أن يؤمر بذبح إسحاق والحالة هذه ، فتعين أن يكون الذبيح إسماعيل ، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

وقوله : { يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ] } {[14764]}

أي : إنه قد نفذ فيهم القضاء ، وحَقَّت عليهم الكلمة بالهلاك ، وحلول البأس الذي لا يُرد عن القوم المجرمين .


[14764]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

{ يا إبراهيم } على إرادة القول أي قالت الملائكة { يا إبراهيم } . { أعرض عن هذا } الجدال { إنه قد جاء أمر ربك } قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم . { وإنهم آتيهم عذاب غير مردود } مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

جملة { يا إبراهيم أعرض عن هذا } مقول محذوف دل عليه المقام وهو من بديع الإيجاز ، وهو وحي من الله إلى إبراهيم عليه السّلام ، أو جواب الملائكة إبراهيم عليه السّلام . فإذا كان من كلام الله فقوله : { أمر ربك } إظهار في مقام الإضمار لإدخال الرّوع في ضمير السامع .

و { أمر الله } قضاؤه ، أي أمر تكوينه .