نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

ولما كان{[39733]} أكثر المجادلة لما عنده من الشفقة على عباد الله لما له من هذه الصفات الجليلة ، أعلمه الله أن الأمر قد ختم بقوله حكاية أن الرسل قالت له بعد طول{[39734]} المجادلة منادين بالأداة التي هي أم الباب إعلاماً بأن ما بعدها عظيم الشأن عالي{[39735]} المنزلة : { يا إبراهيم أعرض } أي بكليتك { عن هذا } أي السؤال في نجاتهم ؛ ثم علل ذلك بقوله{[39736]} مؤكداً لأنه بمجادلته في حيز من {[39737]}ينكر بتّ{[39738]} الأمر : { إنه قد } افتتحه{[39739]} بحرف التوقع لأنه موضعه { جآء أمر ربك } أي الذي عودك بإحسانه الجم ، فلولا أنه حتم الأمر{[39740]} بعذابهم لأمهلهم لأجلك ، ولذا{[39741]} عطف على العلة قوله مؤكداً إعلاماً بأنه أمر{[39742]} قد انبرم ومضى : { وإنهم آتيهم } أي إتياناً ثابتاً { عذاب غير مردود } أي بوجه من الوجوه من أحد كائناً من كان ؛ والإعراض : الانصراف ، وحقيقته الذهاب عن الشيء في جهة العرض ؛ والرد : إذهاب الشيء إلى ما جاء منه كالرجع ؛ والدفع أعم لأنه قد يكون إلى جهة القدام ؛ فلما علم مراد الله تعالى فيهم ، قدمه على مراده ولم ينطق بعده ببنت شفة .

ذكر هذه القصة من التوراة : قال في السفر الأول{[39743]} : واستعلن الله لإبراهيم في مرج - وفي نسخة : بين بلوط ممرى الأموراني - وكان جالساً على باب خيمته إذ اشتد النهار ، فرفع عينيه فنظر فإذا هو بثلاثة رجال وقوف على رأسه ، فلما رآهم أحضر إليهم من باب الخيمة وسجد على الأرضِ وقال : يا رب - وفي نسخة : يا ولي الله - إن كان لي عندك مودة فلا تبعد عن عبدك حتى آتي بماء أغسل به أرجلكم ، واتكئوا تحت الشجرة وأصيبوا شيئاً من الطعام تقرون به أنفسكم ، ثم حينئذٍ تجوزون لأنكم مررتم{[39744]} بعبدكم بغتة فقالوا له : اصنع كما قلت ، فاستعجل إبراهيم فأحضر إلى الخيمة إلى سارة وقال : عجلي{[39745]} بثلاثة آصع من درمك{[39746]} - وفي نسخة : دقيق سميد - فاعجنيه واخبزي منه مليلاً{[39747]} ، وسعى إلى قطيع البقر فأخذ عجلاً سميناً شاباً فدفعه إلى الغلام وأمر بتعجيل صنعته وأخذ سمناً ولبناً والعجل الذي صنع له أيضاً فقربه إليهم ، وكان هو واقفاً بين أيديهم تحت الشجرة وقالوا له : أين سارة امرأتك ؟ فقال : في الخيمة ، فقال له : إني أرجع إليك في مثل هذا الحين من قابل وهي في الحياة ولها منك ابن ، فسمعت سارة وهي على باب الخيمة مستترة وكان هو خلفها ، وكان إبراهيم وسارة قد شاخا وقدم{[39748]} سنهما وانقطع عن سارة سبيل النساء ، فضحكت سارة في قلبها وقالت : أمن بعد ما بليت أرجع شابة وسيدي قد شاخ ؟ فقال الله لإبراهيم : لم ضحكت سارة وقالت : أنى لي بالولد وقد شخت ؟ أيعسر هذا على الله ؟ إني أرجع إليك في مثل{[39749]} هذا الحين من قابل وهي حية ولها ابن ، فجحدت سارة وقالت : كلا ما ضحكت ، لأنها فزعت ، فقال : كلا{[39750]} ! ولكنك قد ضحكت ، ثم قام الرجال وتعمدوا طريق سدوم وعامورا ، وانطلق معهم إبراهيم ليشيعهم . وقال الله : {[39751]}أأكتم{[39752]} عبدي إبراهيم شيئاً مما أصنع ؟ وإبراهيم يكون رئيساً لشعب{[39753]} عظيم كبير ، وتتبارك به شعوب الأرض ، لأني عالم أنه يوصي بنيه وأهل بيته من بعده أن يحفظوا طرق الرب ليعملوا{[39754]} بالبر والعدل ، لأن الرب يكمل لإبراهيم جميع ما وعده به .

فقال{[39755]} الرب لإبراهيم{[39756]} : لقد وصل إليّ حديث سدوم وعاموراً وقد كثرت خطاياهم جداً ، ثم ولى القوم ومضوا إلى سدوم ، وكان إبراهيم بعد واقفاً قدام الرب ، فدنا إبراهيم وقال : يا رب ! تهلك الأبرار مع الفجار بغضب واحد ؟ إن كان في القرية خمسون باراً أتهلكهم بغضب واحد ؟ حاشاك{[39757]} يا رب {[39758]}أن تصنع{[39759]} هذا الصنيع وتهلك البريء مع السقيم{[39760]} ، ويكون البريء بحال السقيم ، حاشا لك يا حاكم الأرض كلها ! لا يكون هذا من صنيعك ! فقال الرب : إن وجدت بسدوم خمسين باراً في القرية عفوت عن جميع البلد من أجلهم ، فأجاب إبراهيم وقال : إني قد بدأت بالكلام بين يدي الرب ، وإنما أنا تراب ورماد ، فإن نقص من الخمسين باراً خمسة تخرب القرية{[39761]} كلها من أجل الخمسة{[39762]} ؟ فقال : لا أخربها إن وجدت بها{[39763]} خمسة {[39764]}وأربعين باراً ، فعاد إبراهيم وقال له : فإن وجد فيها أربعون{[39765]} ؟ فقال : لا أخربها إن وجدت فيها أربعين{[39766]} ، فقال : لا يمكن الرب كلامي فأتكلم ، فإن كان هناك{[39767]} ثلاثون ؟ فقال : لا أخربها إن وجدت فيها ثلاثين ، فقال : إني قد أمعنت{[39768]} في الكلام بين يدي الرب ، فإن وجد بها عشرون ؟ فقال : لا أخربها من أجل العشرين ، فقال لانشقن{[39769]} على الرب ، فأتكلم هذه المرة يارب فقط{[39770]} ، فإن وجد بها عشرة رهط{[39771]} ؟ فقال : لا أفسدها من أجل العشرة ؛ فارتفع استعلان الرب عن إبراهيم لما فرغ إبراهيم من كلامه ورجع إبراهيم إلى موضعه - انتهى . وقد مضى أمر حبل سارة وولادها في البقرة .


[39733]:زيد من ظ.
[39734]:في ظ: طلوع.
[39735]:في ظ: على.
[39736]:زيد بعده في ظ: لا.
[39737]:في الأصل: منكرت، وفي ظ ومد: ينكر تب.
[39738]:في الأصل: منكرت، وفي ظ ومد: ينكر تب.
[39739]:في ظ: افتتح.
[39740]:سقط من مد.
[39741]:في مد: كذا.
[39742]:سقط من ظ.
[39743]:راجع الأصحاح الثامن عشر.
[39744]:من ظ ومد، وفي الأصل: مرر.
[39745]:من ظ ومد، وفي الأصل: عجل.
[39746]:في ظ: دربكه.
[39747]:في ظ: ميلا.
[39748]:في ظ: قدا، وفي مد: قدتم ـ كذا.
[39749]:زيد من ظ.
[39750]:سقط من ظ.
[39751]:في ظ: لأكتم، وفي مد: لا أكتم.
[39752]:في ظ: لأكتم، وفي مد: لا أكتم.
[39753]:في ظ: لشعيب.
[39754]:من مد، وفي الأصل وظ: ليعلموا.
[39755]:في ظ: قال.
[39756]:زيد من مد.
[39757]:في ظ: حاشاه.
[39758]:في مد: أتصنع.
[39759]:في مد: أتصنع.
[39760]:في ظ: المستقيم.
[39761]:في ظ: الأرض.
[39762]:في ظ: القرية.
[39763]:في ظ: فيها.
[39764]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39765]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39766]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39767]:في ظ ومد: هنالك.
[39768]:في ظ: أصفعت.
[39769]:من مد، وفي الأصل: لا شقن، وفي ظ: لا يشقن.
[39770]:سقط من ظ.
[39771]:في مد: ربط.