الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ} (76)

وأمْرُهُ بالإِعراض عن المُجَادلة يقتضي أنها إِنَّما كانَتْ في الكَفَرَةِ ، حرصاً على إِسلامهم ، و{ أَمْرُ رَبِّكَ } واحدُ الأمور ، أي : نفذ فيهم قضاؤُهُ سبحانه ، وهذه الآية مقتضيةٌ أنَّ الدعاء إِنما هو أنْ يوفِّق اللَّه الداعِيَ إِلى طَلَب المَقْدور ، فأما الدُّعاء في طَلَبِ غير المقدورِ ، فغير مُجْدٍ ولا نافع .

( ت ) : والكلام في هذه المسألة متَّسعٌ رَحْبٌ ، ومن أحسن ما قيل فيها قولُ الغَزَّالِيِّ في «الإِحياء » : فإِنْ قلْتَ : فما فائدةُ الدُّعاءِ ، والقَضَاءُ لا يُرَدُّ ؟ فالجوابُ : أَنَّ من القضاءِ رَدَّ البلاءِ بالدعاءِ ، فالدعاءُ سَبَبٌ لردِّ البلاء ، واستجلاب الرحمة ؛ كما أن التُّرْسَ سبَبٌ لردِّ السهم ، والماء سبَبٌ لخروجِ النباتِ ، انتهى . وقد أطال في المسألة ، ولولا الإِطالة لأَتَيْتُ بِنُبَذٍ يثلج لها الصِدْرُ ، وخرَّجَ الترمذيُّ في «جامعه » عن أبي خزامة ، واسمه رِفَاعَةُ ، عن أبيه ، قال : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ رقًّى نَسْتَرْقِيهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ ، وتُقَاةً نَتَّقِيهَا ، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّه شَيْئاً ؟ قَالَ : «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ » ، قال أبو عيسَى : هذا حديثٌ حسن ، وفي بعض نُسَخِهِ : حسنٌ صحيحٌ ، انتهى . فليس وراء هذا الكلام من السيِّد المعصوم مرمًى لأَحدٍ ، وتأمَّل جواب الفارُوق لأبِي عُبَيْدة ، حِينَ هَمَّ بالرجوعِ مِنْ أجْلِ الدخول علَى أرْضٍ بها الطاعُونُ ، وهي الشام .