التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

ثم بين - سبحانه - ما ترتب على اعتزال إبراهيم للشرك والمشركين فقال : { فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } .

أى : فحين اعتزل إبراهيم - عليه السلام - أباه وقومه وآلهتهم الباطلة . لم نضيعه ، وإنما أكرمنا وتفضلنا عليه بأن وهبنا له إسحاق ويعقوب ليأنس بهما بعد أن فارق أباه وقومه من أجل إعلاء كلمتنا { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } أى : وكل واحد منهما جعلناه نبياً { وَوَهَبْنَا لَهْمْ } أى : لإبراهيم وإسحاق ويعقوب { مِّن رَّحْمَتِنَا } بأن جعلناهم أنبياء ومنحناهم الكثير من فضلنا وإحسانا ورزقنا .

وجعلنا لهم لسان صدق عليا ، بأن صيرنا الناس يثنون عليهم ويمدحونهم ويذكرونهم بالذكر الجميل ، لخصالهم الحميدة ، وأخلاقهم الكريمة .

وهكذا نرى أن اعتزال الشرك والمشركين ، والفسق والفاسقين ، يؤدى إلى السعادة الدينية والدنيوية ، وما أصدق قوله - تعالى - : { فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } .

وخص - سبحانه - هنا اسحق ويعقوب بالذكر دون إسماعيل لأن إسماعيل سيذكر فضله بعد قليل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

وقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني الثناء الحسن . وكذا قال السدي ، ومالك بن أنس .

وقال ابن جرير : إنما قال : { عَلِيًّا } ؛ لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحَمتِنا يقول جلّ ثناؤه : ورزقنا جميعهم ، يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا ، وكان الذي وهب لهم من رحمته ، ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعة رزقه ، وأغناهم بفضله .

وقوله وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّا يقول تعالى ذكره : ورزقناهم الثناء الحسن ، والذكر الجميل من الناس ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقِ عَلِيّا يقول : الثناء الحسن .

وإنما وصف جلّ ثناؤه اللسان الذي جعل لهم بالعلوّ ، لأن جميع أهل الملل تحسن الثناء عليهم ، والعرب تقول : قد جاءني لسان فلان ، تعني ثناءه أو ذمه ومنه قول عامر بن الحارث :

إنّي أتَتْنِي لِسانٌ لا أُسَرّ بِهَا *** مِنْ عَلْوَ لا عَجَبٌ مِنْها وَلا سَخَرُ

ويُروى : لا كذب فيها ولا سَخَر .

جاءَتْ مُرجَمّةً قد كُنْتُ أحْذَرُها *** لَوْ كانَ يَنْفَعُنِي الإشْفاقُ والحَذَرُ

مرجمّة : يظنّ بها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

{ ووهبنا لهم من رحمتنا } النبوة والأموال والأولاد . { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم ، استجابة لدعوته { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } والمراد باللسان ما يوجد به ، ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم ، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

وضمير لهم عائد إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام .

و ( من ) في قوله { ومن ذريتهما محسن } [ الصافات : 113 ] إما حرف تبعيض صفة لمحذوف دلّ عليه { وهبنا } ، أي موهوباً من رحمتنا . وإما اسم بمعنى بَعض بتأويل ، كما تقدم عند قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } في سورة البقرة ( 8 ) . وإن كان النحاة لم يثبتوا لكلمة ( مِن ) استعمالها اسماً كما أثبتوا ذلك لكلمات ( الكاف ) و ( عن ) و ( على ) لكن بعض موارد الاستعمال تقتضيه ، كما قال التفتزاني في حاشية الكشاف ، وأقرّه عبْد الحكيم . وعلى هذا تكون ( مِن ) في موضع نصب على المفعول به لفعل وهبنا ، أي وهبنا لهم بعضَ رحمتنا ، وهي النبوءة ، لأنها رحمة لهم ولمن أرسلوا إليهم .

واللسان : مجاز في الذكر والثناء .

ووصف لسان بصدق وصفاً بالمصدر .

الصدق : بلوغ كمال نوعه ، كما تقدم آنفاً ، فلسان الصدق ثناء الخير والتبجيل ، ووصف بالعلوّ مجازاً لشرف ذلك الثناء .

وقد رتّب جزاء الله إبراهيم على نبذه أهل الشرك ترتيباً بديعاً إذ جوزي بنعمة الدنيا وهي العقب الشريف ، ونعمة الآخرة وهي الرحمة ، وبأثر تينك النعمتين وهو لسان الصدق ، إذ لا يذكر به إلا من حصل النعمتين .

وتقدم اختلاف القراء في نبيئا عند ذكر إبراهيم عليه السلام .