السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا} (50)

{ ووهبنا لهم } كلهم { من رحمتنا } أي : شيئاً منها عظيماً من النسل الطاهر والذرّية الطيبة وإجابة الدعاء واللطف في القضاء والبركة في المال والأولاد وغير ذلك من خيري الدنيا والآخرة { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } وهو الثناء الحسن وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهو العطية واستجاب الله تعالى دعوته في قوله تعالى : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء ، 84 ] فصيره قدوة حتى ادعاه أهل الأديان كلهم فقال تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم } [ الحج ، 87 ] وقد اجتمعت فيه خصال لم تجتمع في غيره أوّلها أنه اعتزل عن الخلق على ما قال { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } فلا جرم بارك الله له في أولاده فقال : { ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبياً } . ثانيها : أنه تبرأ من أبيه كما قال عز وجل : { فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّأ منه } [ التوبة ، 114 ] لا جرم سماه الله أبا المسلمين فقال : { ملة أبيكم إبراهيم } ثالثها : تلّ ولده للجبين ليذبحه في الله على ما قال تعالى : { وتله للجبين } [ الصافات ، 103 ] لا جرم فداه الله تعالى على ما قال { وفديناه بذبح عظيم } [ الصافات ، 107 ] . رابعها : أسلم نفسه فقال : { أسلمت لرب العالمين } [ البقرة ، 131 ] فجعل الله تعالى النار برداً وسلاماً عليه فقال : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } [ الأنبياء ، 69 ] خامسها : أشفق على هذه الأمّة فقال : { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } [ البقرة ، 129 ] لا جرم أشركه الله تعالى في الصلوات في قوله تعالى : { كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم } سادسها : وفي حق سارة في قوله تعالى : { وإبراهيم الذي وفى } [ النجم ، 37 ] لا جرم جعل موطئ قدميه مباركاً { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [ البقرة ، 125 ] سابعها : عادى كل الخلق في الله فقال : { فإنهم عدوّ لي إلا رب العالمين } فاتخذه الله خليلاً كما قال : { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } [ النساء ، 125 ] ليعلم صحة قولنا ما خير على الله أحداً .