{ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين } أي : إن من صفاته الذميمة - أيضا - أنه لا يحث أهله وغيرهم من الأغنياء على بذل الطعام للبائس المسكين ، وذلك لشحه الشديد ، واستيلاء الشيطان عليه ، وانطماس بصيرته عن كل خير .
وفى هذه الآية والتي قبلها دلالة واضحة على أن هذا الإنسان المكذب الدين قد بلغ النهاية فى السوء والقبح ، فهو لقسوة قلبه لا يعطف على يتيم ؛ بل يحتقره ويمنع عنه كل خير ، وهو لخبث نفسه لا يفعل الخير ، ولا يحض غيره على فعله ، بل يحض على الشرور والآثام .
ولما كانت هذه الصفات الذميمة ، لا تؤدي إلى إخلاص أو خشوع لله - تعالى - ، وإنما تؤدي إلى الرياء وعدم المبالاة بأداء التكاليف التي أوجبها - سبحانه - على خلقه .
والحض : الحث ، وهو أن تطلب غيرك فعلاً بتأكيد .
والطعام : اسم الإِطعام ، وهو اسم مصدر مضاف إلى مفعوله إضافة لفظية . ويجوز أن يكون الطعام مراداً به ما يطعم كما في قوله تعالى : { فانظر إلى طعامك وشرابك } [ البقرة : 259 ] فتكون إضافة طعام إلى المسكين معنوية على معنى اللام ، أي الطعام الذي هو حقه على الأغنياء ويكون فيه تقدير مضاف مجرور ب ( على ) تقديره : على إعطاء طعام المسكين .
وكنى بنفي الحضّ عن نفي الإِطعام لأن الذي يشحّ بالحض على الإِطعام هو بالإِطعام أشح كما تقدم في قوله : { ولا تحاضون على طعام المسكين } في سورة الفجر ( 18 ) وقوله : { ولا يحض على طعام المسكين } في سورة الحاقة ( 34 ) .
والمسكين : الفقير ، ويطلق على الشديد الفقرِ ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } في سورة التوبة ( 60 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال : { ولا يحض } نفسه { على طعام المسكين } يقول : لا يطعم المسكين . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ وَلا يَحُضّ على طَعامِ المِسْكِينِ } يقول تعالى ذكره : ولا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطعام . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{ ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكِينِ } أي لا يفعله ولا يأمر به ، وليس الذم عاماً حتى يتناول من تركه عجزاً ، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم يقولون { أنطعم من لو يشاءُ الله أطْعَمَهُ } فنزلت هذه الآية فيهم ، ويكون معنى الكلام : لا يفعلونه إن قدروا ، ولا يحثون عليه إن عجزوا . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين ، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف ، يعني : أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد ، لخشي الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك ، فحين أقدم عليه : علم أنه مكذب ، فما أشدّه من كلام ، وأما أخوفه من مقام .
واعلم أن في قوله : { يدع } بالتشديد فائدة ، وهي أن يدع بالتشديد معناه أنه يعتاد ذلك فلا يتناول الوعيد من وجد منه ذلك وندم عليه ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ولا يحض } أي يحث نفسه وأهله ولا غيرهم حثاً عظيماً ....{ على طعام المسكين } أي بذله له وإطعامه إياه ؛ بل يمقته ولا يكرمه ولا يرحمه ، وتعبيره عن الإطعام - الذي هو المقصود - بالطعام الذي هو الأصل ، وإضافته المسكين ، للدلالة على أنه يشارك الغني في ماله بقدر ما فرض الله من كفايته ، وقد تضمن هذا أن علامة التكذيب بالبعث إيذاء الضعيف والتهاون بالمعروف ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وقصارى ما سلف : إن للمكذب بالدين صفتين : أولاهما : أن يحتقر الضعفاء ويتكبر عليهم . وثانيتهما : أن يبخل بماله على الفقراء والمحاويج ، أو يبخل بسعيه لدى الأغنياء ، ليساعدوا أهل الحاجة ممن تحقق عجزهم عن كسب ما ينقذهم من الضرورة ، ويقوم لهم بكفاف العيش . وسواء أكان المحتفر للحقوق ، البخيل بالمال والسعي لدى غيره ، مصليا أو غير مصلّ فهو في وصف المكذبين ، ولا تخرجه صلاته منهم ؛ لأن المصدق بشيء لا تطاوعه نفسه على الخروج مما صدّق به ، فلو صدق بالدين حقا لصار منكسرا متواضعا ، لا يتكبر على الفقراء ، ولا ينهر المساكين ، ولا يزجرهم ؛ فمن لم يفعل شيئا من ذلك فهو مراء في علمه ، كاذب في دعواه .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته . فلو صدق بالدين حقا ، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم ... إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان ؛ إنما هي تحول في القلب يدفعه إلى الخير والبر بإخوانه في البشرية ، المحتاجين إلى الرعاية والحماية . والله لا يريد من الناس كلمات . إنما يريد منهم معها أعمالا تصدقها ، وإلا فهي هباء ، لا وزن لها عنده ولا اعتبار ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويلاحظ هنا بشأن الأيتام ، أنّ العواطف الإنسانية تجاه هؤلاء أكثر أهمية من إطعامهم وإشباعهم . لأنّ آلام اليتيم تأتي من فقدانه مصدر العاطفة والغذاء الروحي ، والتغذية الجسمية تأتي في المرحلة التالية . ومرّة أخرى نرى القرآن يتحدث عن إطعام المساكين ، وهو من أهم أعمال البرّ ، وفي الآية إشارة إلى أنّك إذا لم تستطع إطعام المساكين ، فشجّع الآخرين على ذلك . الفاء في «فذلك » لها معنى السببية ، وتعني أنّ التكذيب بالمعاد هو الذي يسبب هذه الانحرافات . والحقّ أنّ المؤمن بالمعاد ، وبتلك المحكمة الإلهية الكبرى ، وبالحساب والجزاء يوم القيامة ، إيماناً راسخاً ، تظهر عليه الآثار الإيجابية لهذا الإيمان في كلّ أعماله . ولكن فاقد الإيمان والمكذب بيوم الدين تظهر آثار التكذيب عليه متمثلة في الجرأة على ارتكاب الذنوب والجرائم بشكل محسوس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.