التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (118)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { وَقُل رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الراحمين } أى : وقل - أيها الرسول الكريم - مناجيا ربك : رب اغفر للمؤمنين ذنوبهم ، وارحم العصاة منهم ، وأنت يا مولانا خير من يرحم ، وخير من يغفر .

قال الآلوسى : " وفى تخصيص هذه الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه ، وقد علم النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقول نحوه فى صلاته . فقد أخرج الشيخان عن أبى بكر - رضى الله عنه - قال : يا رسول الله ، علمنى دعاء أدعو به فى صلاتى . فقال له قل : " اللهم إنى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لى مغفرة من عندك ، وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم "

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (118)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول: جزاء الكافرين، أنه لا يفلح يعني لا يسعد في الآخرة عند ربه، عز وجل، {وقل رب اغفر} الذنوب {وارحم وأنت خير الراحمين} من غيرك يقول: من كان يرحم أحدا، فإن الله عز وجل بعباده أرحم، وهو خير، يعني: أفضل رحمة من أولئك الذين لا يرحمون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد ربّ استر عليّ ذنوبي بعفوك عنها وارحمني بقبول توبتي وتركك عقابي على ما اخترمت. "وأنْتَ خَيرُ الرّاحِمِينَ "يقول: وقل أنت يا ربّ خير من رحم ذا ذنب فقبل توبته ولم يعاقبه على ذنبه.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله فقال له "قل "يا محمد "رب اغفر وارحم" أي اغفر الذنوب، وأنعم على خلقك. "وأنت خير الراحمين" معناه أفضل من رحم وأنعم على غيره، وأكثرهم نعمة وأوسعهم فضلا.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

اغفرْ الذنوبَ، واستر العيوبَ، وأجْزِل الموهوب. وارحمْ حتى لا تستولي علينا هواجمُ التفرقة ونوازل الخطوب. والرحمةُ بالدعاء من صنوف النعمة، ويسمى الحاصل بالرحمة باسم الرحمة على وجه التوسع وحكم المجاز.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء في المغفرة والرحمة والذكر له تعالى بأنه {خير الراحمين} لأن كل راحم فمتصرف على إرادة الله وتوفيقه وتقديره لمقدار هذه الرحمة، ورحمته تعالى لا مشاركة لأحد فيها، وأيضاً فرحمة كل راحم في أشياء وبأشياء حقيرات بالإضافة إلى المعاني التي تقع فيها رحمة الله تعالى من الاستنقاذ من النار، وهيئة نعيم الجنة وعلى ما في الحديث فرحمة كل راحم بمجموعها كلها جزء من مائة رحمة الله جلت قدرته: إذ بث في العالم واحدة وأمسك عنده تسعة وتسعين

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فإن قيل كيف تتصل هذه الخاتمة بما قبلها؟ قلنا لأنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار في جهلهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أمر بالانقطاع إلى الله تعالى والالتجاء إلى دلائل غفرانه ورحمته، فإنهما هما العاصمان عن كل الآفات والمخافات.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

هذا إرشاد من الله إلى هذا الدعاء، فالغَفْرُ -إذا أطلِق- معناه محو الذنب وستره عن الناس، والرحمة معناها: أن يسدده ويوفقه في الأقوال والأفعال.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الأمر كذلك، أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في إنقاذ عباده حتى بالدعاء لله في إصلاحهم ليكون الختم بالرحمة للمؤمنين، كما كان الافتتاح بفلاحهم، فقال عاطفاً على قوله {ادفع بالتي هي أحسن} فإنه لا إحسان أحسن من الغفران، أو على معنى {قال كم لبثتم} الذي بينته قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي بالأمر: {وقل}، أو يكون التقدير: فأخلص العبادة له {وقل} لأجل أن أحداً لا يقدره حق قدره: {رب} أيها المحسن إليّ {اغفر وارحم} أي أكثر من تعليق هاتين الصفتين في أمتي لتكثرها، فإن في ذلك شرفاً لي ولهم، فأنت خير الغافرين {وأنت خير الرّاحمين} فَمنْ رحمته أفلح بما توفقه له من امتثال ما أشرت إليه أول السورة، فكان من المؤمنين، فكان من الوارثين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، فقد انطبق على الأول هذا الآخر بفوز كل مؤمن، وخيبة كل كافر. نسأل الله تعالى أن يكون لنا أرحم راحم وخير غافر، إنه المتولي للسرائر، والمرجو لإصلاح الضمائر -آمين.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وكأنه سبحانه بعد ما سلاه بذكر مآل من لا ينجع دعاؤه فيه أمره بما يرمز إلى متاركة مخالفيه وفي تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه ومن باب الإشارة: {وَقُل رَّبّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الرحمين} [المؤمنون: 118] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الاغترار بالأعمال وإرشاد إلى التشبث برحمة الملك المتعال، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ويغفر لنا ما ارتكبناه من مخالفته ويتفضل علينا بأعظم مما نؤمله من رحمته كرامة لنبيه الكريم وحبيبه الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وعظم وكرم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهنا يلتقي مطلع السورة وختامها في تقرير الفلاح للمؤمنين والخسران للكافرين. وفي تقرير صفة الخشوع في الصلاة في مطلعها والتوجه إلى الله بالخشوع في ختامها.. فيتناسق المطلع والختام في ظلال الإيمان.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأمره بأن يدعو بذلك يتضمن وعداً بالإجابة. وهذا الكلام مؤذن بانتهاء السورة فهو من براعة المقطع.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقد طلب أن يغفر من غير ذكر المغفور له، وطلب أن يرحم من غير من يرحم، وذلك لشمول من يطلب الغفران لهم، والرحمة لهم، فهو الغفور الرحيم الذي سبقت رحمته عذابه، وفي ذلك الطلب من النبي صلى الله عليه وسلم تصفية لنفسه من شوائب الحقد، والحسد، ليدني من يدعوهم، ولا يجافيهم، فإن الجفوة تبعد، والرحمة تقرب، إن الله غفور رحيم.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وفي الآية الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يطلب من الله الغفران والرحمة، ويقرر له صفته الكمالية في الرحمة وكونه خير الراحمين.

وقد جاءت الآية الأولى كخاتمة للسياق الذي حكى فيه مواقف الكفار وأقوالهم وأنذرهم وأوعدهم. كما جاءت هي والآية الثانية خاتمة لآيات السورة. وطابع الختام المألوف في كثير من السور السابقة ظاهر عليهما أيضا. والآية الأخيرة ذات مغزى رائع في مقامها وإطلاقها.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ويمكن فهم هذا الخطاب على أنه إذن من الله لرسوله بالاستغفار لأمته، فما منهم من أحد كان مطيعا أو عاصيا إلا وتقر عينه، وينشرح صدره، بدعاء خاتم النبيئين والمرسلين... ولا خاتمة أكمل وأفضل من مثل هذه الخاتمة، التي تؤذن بالانقطاع إلى الله تعالى، والالتجاء إلى عفوه وغفرانه، والأمل في رحمته وإحسانه.