المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (118)

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء في المغفرة والرحمة والذكر له تعالى بأنه { خير الراحمين } لأن كل راحم فمتصرف على إرادة الله وتوفيقه وتقديره لمقدار هذه الرحمة ، ورحمته تعالى لا مشاركة لأحد فيها ، وأيضاً فرحمة كل راحم في أشياء وبأشياء حقيرات بالإضافة إلى المعاني التي تقع فيها رحمة الله تعالى من الاستنقاذ من النار ، وهيئة نعيم الجنة وعلى ما في الحديث فرحمة كل راحم بمجموعها كلها جزء من مائة رحمة الله جلت قدرته : إذ بث في العالم واحدة وأمسك عنده تسعة وتسعين{[8556]} ، وقرأ ابن محيصن «ربُّ اغفر » بضم الباء من[ رب ]{[8557]} .


[8556]:يشير إلى حديث شريف أخرجه البخاري في التوبة والرقاق، ومسلم في التوبة، والترمذي في الدعوات، وابن ماجه في الزهد، والدرامي في الرقاق، وأحمد في مسنده (2 ـ 433، 514 ـ 3 ـ 55، 56 ـ 5 ـ 439)، وهو في البخاري عن أبي هريرة، ولفظه فيه أنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار).
[8557]:أسند الثعلبي من حديث ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن عبد الله بن مسعود أنه مر بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} حتى ختم السورة فبرئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا قرأت في أذنه)؟ فأخبره، فقال: (والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال).