التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} (166)

ثم نهاهم عن أبرز الرذائل التي كانت متفشية فيهم فقال : { أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } .

والاستفهام للإنكار والتقريع ، والذكران : جمع ذكر وهو ضد الأنثى .

والعادون جمع عاد . يقال : عدا فلان فى الأمر يعدو ، إذا تجاوز الحد فى الظلم .

أى : قال لوط لقومه : أبلغ بكم انحطاط الفطرة ، وانتكاس الطبيعة ، أنكم تأتون الذكور الفاحشة ، وتتركون نساءكم اللائى أحلهن الله - تعالى - لكم ، وجعلهن الطريق الطبيعى للنسل وعمارة الكون .

إنكم بهذا الفعل القبيح الذميم ، تكونون قد تعديتم حدود الله - تعالى - وتجاوزتم ما أحله الله لكم ، إلى ما حرمه عليكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} (166)

ثم يواجههم باستنكار خطيئتهم الشاذة التي عرفوا بها في التاريخ :

( أتأتون الذكران من العالمين ? وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ? بل أنتم قوم عادون ) .

والخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط [ وقد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن ] هي الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور ، وترك النساء . وهو انحراف في الفطرة شنيع . فقد برأ الله الذكر والأنثى ؛ وفطر كلا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل ، الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى . فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام ، الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود . فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف ، ولا يحقق غاية ، ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه . وعجيب أن يجد فيه أحد لذة . واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة . فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط . ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا ، لخروجهم من ركب الحياة ، ومن موكب الفطرة ، ولتعريهم من حكمة وجودهم ، وهي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج والتوالد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} (166)

المراد بالأزواج : الإناث من نوع ، وإطلاق اسم الأزواج عليهن مجاز مرسل بعلاقة الأول ، ففي هذا المجاز تعريض بأنه يرجو ارعِوَاءهم .

وفي قوله : { ما خلق لكم ربكم } إيماء إلى الاستدلال بالصلاحية الفطرية لعمَلٍ على بطلان عمل يضاده ، لأنه مناف للفطرة . فهو من تغيير الشيطان وإفساده لسنة الخلق والتكوين ، قال تعالى حكاية عنه { ولآمُرنَّهم فَليُغَيِّرُن خَلْق الله } [ النساء : 119 ] .

و { بل } لإضراب الانتقال من مقام الموعظة والاستدلال إلى مقام الذم تغليظاً للإنكار بعد لينه لأن شرف الرسالة يقتضي الإعلان بتغيير المنكر والأخذ بأصرح مراتب الإعلان فإنه إن استطاع بلسانه غليظ الإنكار لا ينزل منه إلى لَيِّنه وأنه يبتدىء باللين فإن لم ينفع انتقل منه إلى ما هو أشد ولذلك انتقل لوط من قوله : { أتأتون الذكران } إلى قوله : { بل أنتم قوم عادون } .

وفي الإتيان بالجملة الاسمية في قوله : { أنتم قوم عادون } دون أن يقول : بل كنتم عادين ، مبالغة في تحقيق نسبة العدوان إليهم . وفي جعل الخبر { قوم عادون } دون اقتصار على { عَادون } تنبيه على أن العدوان سجية فيهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .

والعادي : هو الذي تجاوز حدّ الحق إلى الباطل ، يقال : عدا عليه ، أي ظلمه ، وعدوانهم خروجهم عن الحد الموضوع بوضع الفطرة إلى ما هو مناف لها محفوف بمفاسد التغيير للطبع .