التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته ، وعلى زيادة التهوين من شأن هؤلاء الكافرين ، والتحقير من أمرهم فقال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب إِنَّا لَقَادِرُونَ . على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } .

وجمع - سبحانه - هنا المشارق والمغارب ، باعتبار أن لها فى كل يوم من أيام السنة مشرقا معينا تشرق منه ، ومغربا معينا تغرب فيه .

وقال فى سورة الرحمن { رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين } أى : مشرق ومغرب الشتاء . والصيف .

وقال فى سورة المزمل : { رَّبُّ المشرق والمغرب } والمراد بهما هنا : جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، وعلى كل مغرب من مغاربها .

وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجئ هذه الألفاظ تارة مفردة ، وتارة بصيغة المثنى ، وتارة بصيغة الجمع .

وجملة { إِنَّا لَقَادِرُونَ } : جواب القسم . أى : أقسم بالله - تعالى - الذى هو رب مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها . . إنا لقادرون قدرة تامة

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

واستطرادا في تهوين أمرهم ، وتصغير شأنهم ، وتنكيس كبريائهم ، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم :

( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ) .

والأمر ليس في حاجة إلى قسم . ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ، يوحي بعظمة الخالق . والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح . كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض . وهي تتوالى في كل لحظة . ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب . . .

وأيا كان مدلول المشارق والمغارب ، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود ، وبعظمة الخالق لهذا الوجود . فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب ، على أنه - سبحانه - قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم ? ! .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ} (40)

وجملة ( لا أقسم برب المشارق ) الخ معترضة بين الفاء وما عطفته .

والقَسَم بالله بعنوان ربوبيته المشارقَ والمغارب معناه : ربوبيته العالم كله لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها .

وجمع { المشارق والمغارب } باعتبار تعدد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمةِ الربانية لدلالته على عظيم صنع الله من حيث إنه دال على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات ، ولذلك لم يذكر في القرآن قسَم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب ، أقسم الله به على سُنة أقسام القرآن .

وفي إيثار { المشارق والمغارب } بالقسم بربها رَعي لمناسبة طلوع الشمس بعد غروبها لتمثيل الإِحياءِ بعد الموت .

وتقدم القول في دخول حرف النفي مع ( لا أقسم ) عند قوله : { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } في سورة الحاقة ( 38 ، 39 ) ، وقوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } في سورة الواقعة ( 75 ) .