ثم بين - سبحانه - أن شهوات النفس ومطالبها وأمنياتها لا تتحقق إلا فى الإطار الذى يريده الله - تعالى - لها ، فقال : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى فَلِلَّهِ الآخرة والأولى } .
والاستفهام هنا - أيضا - للإنكار ، ولإبطال اتباعهم للظنون ولما تهوان أنفسهم . .
أى : إن هؤلاء قد اتبعوا فى ضلالهم وكفرهم الظنون والأوهام ، وما تشتهيه قلوبهم من حب للرياسة ، ومن تقليد للآباء ، ومن تطلع إلى أن هذه الأصنام ستشفع لهم عند الله - تعالى - . . مع أن وقائع الحياة وشواهدها التى يرونها بأعينهم ، تدل دلالة واضحة ، على أنه ليس كل ما يتمناه الإنسان يدركه ، وليس كل ما يريده يتحقق له . . . لأن كل شىء فى هذه الحياة مرهون بإرادته ومشيئته - سبحانه - وهو - عز وجل - صاحب الدار الآخرة ، وصاحب الدار الأولى وهى دار الدنيا ، ولا يقع فيهما إلا ما يريده .
فالمقصود من الآيتين الكريمتين ، نفى ما كان يتمناه أولئك المشركون من شفاعة أصنامهم لهم يوم القيامة ، كما حكى عنهم - سبحانه - ذلك فى قوله : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى . . } ونفى ما كانت تتطلع إليه نفوس بعضهم ، من نزول القرآن عليه ، أو من اختصاصه بالنبوة . فقد حكى - سبحانه - عنهم قولهم : { . . . لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } كما أن المقصود بها كذلك ، ترويض النفس البشرية على عدم الجرى وراء ظنونها وأهوائها ، بل عليها أن تتمسك بالحق ، وأن تعتصم بطاعة الله - تعالى - وأن تباشر الأسباب التى شرعها - سبحانه - ، ثم بعد ذلك تترك النتائج له يسيرها كيف يشاء ، فإن له الآخرة والأولى .
وقدم - سبحانه - الجار والمجرور فى قوله : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى } لإفادة أن هذا التمنى هو محط الإنكار ، وأن الإنسان العاقل هو الذى لا يجرى وراء أمنياته ، وإنما هو الذى يسعى إلى تحقيق ما أمره الله - تعالى - به من تكاليف .
وقدم - سبحانه - الآخرة على الأولى ، لأنها الأهم ، إذ نعيمها هو الخالد الباقى ، أما شهوات الدنيا وملذتها ، فهى مهما كثرت ، زائلة فانية .
{ أم للإنسان ما تمنى } ، وقف على جهة التوبيخ والإنكار لحالهم ورأيهم ، ثم اعترض بعد قوله : { وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } جملة في موضع الحال ، والهدى المشار إليه ، ومحمد وشرعه .
وقرأ ابن مسعود وابن عباس : «ولقد جاءكم من ربكم » بالكاف فيهما ، وقال الضحاك إنهما قرآ «ولقد جاءك من ربك » .
و «الإنسان » في قوله : { أم للإنسان } ، اسم الجنس ، كأنه يقول ليست الأشياء بالتمني والشهوات ، إنما الأمر كله لله والأعمال جارية على قانون أمره ونهيه فليس لكم ، أيها الكفرة مرادكم في قولكم هذه آلهتنا وهي تنفعنا وتقربنا زلفى ونحو هذا . وقال ابن زيد والطبري : «الإنسان » هنا : محمد ، بمعنى أنه لم ينل كرامتنا بتأميل ، بل بفضل الله أو بمعنى بل إنه تمنى كرامتنا فنالها ، إذ الكل لله يهب ما شاء ، وهذا لا تقتضيه الآيات ، وإن كان اللفظ يعمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.