مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَمۡ لِلۡإِنسَٰنِ مَا تَمَنَّىٰ} (24)

قوله تعالى : { أم للإنسان ما تمنى } المشهور أن أم منقطعة معناه : أللإنسان ما اختاره واشتهاه ؟ وفي { ما تمنى } وجوه : ( الأولى ) الشفاعة تمنوها وليس لهم شفاعة ( الثاني ) قولهم { ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى } ( الثالث ) قول الوليد بن المغيرة { لأوتين مالا وولدا } ( الرابع ) تمنى جماعة أن يكونوا أنبياء ولم تحصل لهم تلك الدرجة الرفيعة ، فإن قلت هل يمكن أن تكون أم هاهنا متصلة ؟ نقول نعم والجملة الأولى حينئذ تحتمل وجهين : ( أحدهما ) أنها مذكورة في قوله تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى } كأنه قال ألكم الذكر وله الأنثى على الحقيقة أو تجعلون لأنفسكم ما تشتهون وتتمنون وعلى هذا فقوله تلك { إذا قسمة ضيزى } وغيرها جمل اعترضت بين كلامين متصلين ( ثانيهما ) أنها محذوفة وتقرير ذلك هو أنا بينا أن قوله { أفرأيتم } لبيان فساد قولهم ، والإشارة إلى ظهور ذلك من غير دليل ، كما إذا قال قائل فلان يصلح للملك فيقول آخر لثالث ، أما رأيت هذا الذي يقوله فلان ولا يذكر أنه لا يصلح للملك ، ويكون مراده ذلك فيذكره وحده منبها على عدم صلاحه ، فهاهنا قال تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى } أي يستحقان العبادة أم للإنسان أن يعبد ما يشتهيه طبعه وإن لم يكن يستحق العبادة ، وعلى هذا فقوله أم للإنسان أي هل له أن يعبد بالتمني والاشتهاء ، ويؤيد هذا قوله تعالى : { وما تهوى الأنفس } أي عبدتم بهوى أنفسكم ما لا يستحق العبادة فهل لكم ذلك .