التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ} (31)

ثم بين - سبحانه - جانبا من الأسباب التى أدت إلى سوء عاقبة المكذبين للحق ، فقال - تعالى - : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى . ولكن كَذَّبَ وتولى . ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى } .

والفاء للتفريع على ما تقدم ، من قوله - تعالى - : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } إلخ .

أو للتفريع والعطف على قوله - سبحانه - : { إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق } . . أى : أن هذا الإِنسان الذى أنكر الحساب والجزاء ، وفارق الحياة ، كانت عاقبة أمره خسرا ، فلا هو صدق بالحق الذى جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا هو أدى الصلاة التى فرضها الله - تعالى - عليه ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ} (31)

وفي مواجهة المشهد المكروب الملهوف الجاد الواقع يعرض مشهد اللاهين المكذبين ، الذين لا يستعدون بعمل ولا طاعة ، بل يقدمون المعصية والتولي ، في عبث ولهو ، وفي اختيال بالمعصية والتولي :

( فلا صدق ولا صلى ، ولكن كذب وتولى ، ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ! . .

وقد ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معينا بالذات ، قيل هو أبو جهل " عمرو بن هشام " . . وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسمع منه القرآن . ثم يذهب عنه ، فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ؛ ويؤذي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالقول ، ويصد عن سبيل الله . . ثم يذهب مختالا بما يفعل ، فخورا بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئا يذكر . .

والتعبير القرآني يتهكم به ، ويسخر منه ، ويثير السخرية كذلك ، وهو يصور حركة اختياله بأنه( يتمطى ! )يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها !

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنن في الصد عن سبيل الله ، والأذى للدعاة ، ويمكر مكر السيئ ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء ، وبما أفسد في الأرض ، وبما صد عن سبيل الله ، وبما مكر لدينه وعقيدته وكاد !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ} (31)

فلا صدق ما يجب تصديقه أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة ولا صلى ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في أيحسب الإنسان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ} (31)

قال جمهور المتأولين : هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام .

قال القاضي أبو محمد : ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى : { يتمطى } فإنها كانت مشية بني مخزوم ، وكان أبو جهل يكثر منها ، وقوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى } تقديره فلم يصدق ولم يصل ، وهذا نحو قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ]

فأي خميس فإنا لا نهابه*** وأسيافنا يقطرن من كبشه دما{[11486]}

وقول الآخر [ أبي خيراش الهذلي ] : [ الرجز ]

إن تغفر اللهم تغفر جمّا*** وأي عبد لك لا ألمَّا{[11487]}

{ فلا } في الآية عاطفة ، و { صدق } معناه برسالة الله ودينه ، وذهب قوم إلى أنه من الصدقة ، والأول أصوب .


[11486]:الخميس: الجيش الكبير، سمي بذلك لأنه يتكون من خمسة أقسام: المقدمة، والوسط والميمنة والميسرة والساقة، والإباء: الامتناع ، وكبش القوم سيدهم وحاميهم والمنظور إليه فيهم، وكبش الكتيبة: قائدها، والاستفهام هنا للنفي أو للأنكار، يقول: كيف نخاف جيشا لم يمتنع علينا وسيوفنا تقطر دما من قائده وحاميه؟ والشاهد أن "لا أبانا" بمعنى: لم يأبنا ولم يمتنع علينا، ومثله قول زهير: وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم أي: لم يبدها ولم يتقدم.
[11487]:هذان البيتان من الرجز من الشعر المختلف في نسبته، فقد نسبهما ابن بري لأمية بن أبي الصلت، ولم أجدهما في ديوانه، ونسبهما مسلم بن أي طرفة الهذلي لأبي خراش الهذلي مع بيتين غيرهما، وفي اللسان نسبهما مرة إلى أمية ومرة أخرى إلى أبي خراش، والجم: الكثير المجتمع، و "ألم" من الإلمام وهو مقاربة الذنب دون الوقوع فيه، أو ارتكاب الذنوب الصغيرة، والشاهد هنا أن "لا" بمعنى"لم" والمعنى: وأي عبد لك لم يرتكب الذنوب الصغيرة؟ لكنهم قالوا: إن "لا" بهذا المعنى تكون أفصح إذا كررت، وقلما تتكلم العرب بمثل هذا إلا وكررت "لا" مرتين، كقوله تعالى: "فلا صدق ولا صلى"، أي: لم يصدق ولم يصل.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ} (31)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلم يصدّق بكتاب الله، ولم يصلّ له صلاة، ولكنه كذّب بكتاب الله، وتولى فأدبر عن طاعة الله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي فلا صدق بما جاء من عند الله تعالى من الأخبار، ولا صدق رسوله صلى الله عليه وسلم. {ولا صلى} يحتمل أن يكون أريد به نفس الصلاة، وذلك أن الصلاة جيئت إلى الأنفس كلها حتى لا ترى أهل دين إلا وقد وجبت الصلاة عليهم، فيكون في قوله: {فلا صدق ولا صلى} إبانة سفهه وجهله، أو يكون قوله: {ولا صلى} أي ولا أتى بالمعنى الذي له الصلاة، وهو الاستسلام والانقياد لله تعالى.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وبفروعه، وفيما يتعلق بدنياه. أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين، ولكنه كذب به.

وأما ما يتعلق بفروع الدين، فهو أنه ما صلى ولكنه تولى وأعرض.

وأما ما يتعلق بدنياه، فهو أنه ذهب إلى أهله يتمطى، ويتبختر، ويختال في مشيته. واعلم أن الآية دالة على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقهما بترك الإيمان.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه، متوليا عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر كراهته للآخرة، ذكر أن سببه إفساده ما آتاه الله من قوى العلم والعمل بتعطيلهما عن الخير واستعمالهما في الشر فقال مبيناً عمل العبد الموافق والآبق، عاطفاً على {يسأل أيان} [القيامة: 6] الذي معناه جحد البعث: {فلا صدق} -أي هذا الإنسان الذي الكلام فيه- الرسول فيما أخبره بما كان يعمل من الأعمال الخبيثة، ولا إيمانه بالإنفاق في وجوه الخير التي ندب إليها واجبة كانت أو مسنونة، وحذف المفعول لأنه أبلغ في التعميم. ولما ذكر أصل الدين، أتبعه فروعه دلالة على أن الكافر مخاطب بها فقال: {ولا صلّى} أي ما أمر به من فرض وغيره، فلا تمسك بحبل الخالق ولا وصل إلى حبل الخلائق على حد ما شرع له.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي مواجهة المشهد المكروب الملهوف الجاد الواقع يعرض مشهد اللاهين المكذبين، الذين لا يستعدون بعمل ولا طاعة، بل يقدمون المعصية والتولي، في عبث ولهو، وفي اختيال بالمعصية والتولي:

(فلا صدق ولا صلى، ولكن كذب وتولى، ثم ذهب إلى أهله يتمطى)!..

وقد ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معينا بالذات، قيل هو أبو جهل "عمرو بن هشام".. وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يسمع منه القرآن. ثم يذهب عنه، فلا يؤمن ولا يطيع، ولا يتأدب ولا يخشى؛ ويؤذي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالقول، ويصد عن سبيل الله.. ثم يذهب مختالا بما يفعل، فخورا بما ارتكب من الشر، كأنما فعل شيئا يذكر..

والتعبير القرآني يتهكم به، ويسخر منه، ويثير السخرية كذلك، وهو يصور حركة اختياله بأنه (يتمطى!) يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها!

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله، يسمع ويعرض، ويتفنن في الصد عن سبيل الله، والأذى للدعاة، ويمكر مكر السيئ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء، وبما أفسد في الأرض، وبما صد عن سبيل الله، وبما مكر لدينه وعقيدته وكاد!