التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

ثم وجه - سبحانه - إليهم سؤالا آخر فقال : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا . . .

و { أَمْ } هنا هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة ، فهى مشتملة على معنى الإضراب والإنكار .

والمعنى : وسلهم - أيها الرسول الكريم - مرة أخرى : ألهؤلاء الجاحدين آلهة أخرى تستطيع أن تحرسهم وترعاهم سوانا نحن ؟ كلا لبس لهم ذلك .

فالجملة الكريمة إضراب عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم على جهالاتهم بسبب اعتمادهم على آلهة لا تنفع ولا تضر .

وقوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } نفى على أبلغ وجه لأن تكون هناك آلهة ترعاهم سوى الله - تعالى - أى : كلا . . . ليس لهم آلهة تمنعهم من عذابنا إن أردنا إنزاله بهم ، فإن هؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصر غيرهم ، ولا هم منا يصحبون ، أى : يجارون ويمنعون من نزول الضر بهم .

قال ابن جرير : " وقوله { يُصْحَبُونَ } بمعنى يجارون ، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان . بمعنى أجيرك وأمنعك منه . وهؤلاء إذا لم يصبحوا بالجوار ، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله ، مع سخط الله عليهم ، فلم يصحبوا بخير ولن ينصروا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

36

ثم يعيد عليهم السؤال في صورة أخرى : ( أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ? )فتكون هي التي تحرسهم إذن وتحفظهم ? كلا فهؤلاء الآلهة ( لا يستطيعون نصر أنفسهم )فهم من باب أولى لا يستطيعون نصر سواهم . ( ولا هم منا يصحبون )فيستمدوا القوة من صحبة القدرة لهم - كما استمدها هارون وموسى وربهما يقول لهما : ( إنني معكما أسمع وأرى ) . .

إن هذه الآلهة مجردة من القوة بذاتها ، وليس لها مدد من الله تستمد منه القوة . فهي عاجزة عاجزة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

ثم قال { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا } استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ، أي : ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا ؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما{[19640]} زعموا ؛ ولهذا قال : { لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } أي : هذه [ الآلهة ]{[19641]} التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم .

وقوله : { وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } قال العوفي ، عن ابن عباس : { وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } أي : يجارون{[19642]} وقال قتادة لا يصحبون [ من الله ]{[19643]} بخير وقال غيره : { وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } يمنعون .


[19640]:- في ف ، أ : "ولا قد كما".
[19641]:- زيادة من ف ، أ.
[19642]:- في ف ، أ : "يجازون".
[19643]:- زيادة من ف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

أضرب إضراباً ثانياً ب ( أم ) المنقطعة التي هي أخت ( بل ) مع دلالتها على الاستفهام لقصد التقريع فقال : { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } ، أي بل ألهم آلهة . والاستفهام إنكار وتقريع ، أي ما لهم آلهة مانعة لهم من دوننا . وهذا إبطال لمعتقدهم أنهم اتخذوا الأصنام شفعاء .

وجملة { لا يستطيعون نصر أنفسهم } مستأنفة معترضة . وضمير { يستطيعون } عائد إلى آلهة أجري عليهم ضمير العقلاء مجاراة لما يجريه العرب في كلامهم . والمعنى : كيف ينصرونهم وهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ، ولا هم مؤيدون من الله بالقبول .

ثم أضرب إضراباً ثالثاً انتقل به إلى كشف سبب غرورهم الذي من جهلهم به حسبوا أنفسهم آمنين من أخَذ الله إياهم بالعذاب فجرّأهم ذلك على الاستهزاء بالوعيد ، وهو قوله تعالى : { بل متعنا هؤلاء وآباءهم } ، أي فما هم مستمرون فيه من النعمة إنما هو تمتيع وإمهال كما متعنا آباءهم من قبل ، وكما كان لآبائهم آجال انتهوا إليها كذلك يكون لهؤلاء ، ولكن الآجال تختلف بحسب ما علم الله من الحكمة في مَداها حتى طالت أعمار آبائهم . وهذا تعريض بأن أعمار هؤلاء لا تبلغ أعمار آبائهم ، وأن الله يحل بهم الهلاك لتكذيبهم إلى أمدٍ عَلِمَه .

وقد وُجه الخطاب إليهم ابتداء بقوله تعالى : { قل من يكلؤكم } ، ثم أُعرض عنهم من طريق الخطاب إلى طريق الغيبة لأن ما وجه إليهم من إنكار أن يكلأهم أحد من عذاب الله جعلهم أحرياء بالإعراض عنهم كما في قوله تعالى : { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها } الآية في سورة [ يونس : 22 ] .

و { يصحبون } إما مضارع صحبهُ إذا خالطه ولازمه ، والصحبة تقتضي النصر والتأييد ، فيجوز أن يكون الفاعل الذي ناب عنه من أسند إليه الفعلُ المبنيّ للنائب مراداً به الله تعالى ، أي لا يصحبهم الله ، أي لا يؤيدهم ؛ فيكون قوله تعالى : { منا } متعلقاً ب { يصحبون } على معنى ( مِن ) الاتصالية ، أي صحبة متصلةً بنا بمعنى صحبة متينة . وهذا نفي لما اعتقده المشركون بقولهم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] .

ويجوز أن يكون الفاعل المحذوف محذوفاً لقصد العموم ، أي لا يصحبهم صاحب ، أي لا يجيرهم جار فإن الجوار يقتضي حِماية الجار فيكون قوله تعالى : { منا } متعلقاً ب { يصحبون } على معنى ( مِن ) التي بمعنى ( على ) كقوله تعالى : { فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } [ غافر : 29 ] .

وإما مضارع أصحبه المهموز بمعنى حفظه ومنعه ، أي من السوء .